إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
المسألة الحادية عشرة

ذهب الجمهور إلى أن الفعل من السنة ينسخ القول ، كما أن القول ينسخ الفعل ، وحكى الماوردي والروياني عن ظاهر قول الشافعي : أن القول لا ينسخ إلا بالقول ، وأن الفعل لا ينسخ إلا بالفعل ، ولا وجه لذلك ، فالكل سنة وشرع .

ولا يخالف في ذلك الشافعي ولا غيره ، وإذا كان كل واحد منهما شرعا ثابتا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا وجه للمنع من نسخ أحدهما بالآخر ، ولا سيما وقد وقع ذلك في السنة كثيرا .

ومنه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في السارق : فإن عاد في الخامسة فاقتلوه ثم رفع إليه سارق في الخامسة فلم يقتله ، فكان هذا الترك ناسخا للقول .

وقال : الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ثم رجم ماعزا ، ولم يجلده ، فكان ذلك ناسخا لجلد من ثبت عليه الرجم .

[ ص: 561 ] ومنه ما ثبت في الصحيح من قيامه - صلى الله عليه وآله وسلم - للجنازة ، ثم ترك ذلك فكان نسخا ، وثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : صلوا كما رأيتموني أصلي ، ثم فعل غير ما كان يفعله ، وترك بعض ما كان يفعله ، فكان ذلك نسخا ، وهذا كثير في السنة لمن تتبعه ، ولم يأت المانع بدليل يدل على ذلك لا من عقل ولا من شرع ، وقد تابع الشافعي في المنع من نسخ الأقوال بالأفعال ابن عقيل من الحنابلة ، وقال : الشيء إنما ينسخ بمثله أو بأقوى منه ، يعني : والقول أقوى من الفعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية