المسألة الرابعة عشرة  
في نسخ المفهوم  
وقد تقدم تقسيمه إلى مفهوم مخالفة ، ومفهوم موافقة .   
[ ص: 565 ] أما  
مفهوم المخالفة     : فيجوز نسخه مع نسخ أصله ، وذلك ظاهر ، ويجوز نسخه بدون نسخ أصله ، وذلك كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338131الماء من الماء  فإنه نسخ مفهومه بما ثبت من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338132إذا قعد بين شعبها الأربع وجهدها ، فقد وجب الغسل  ، وفي لفظ  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338133إذا لاقى الختان الختان  ، فهذا نسخ مفهوم الماء من الماء ، وبقي منطوقه محكما غير منسوخ ; لأن الغسل واجب من الإنزال بلا خلاف . 
وأما نسخ الأصل دون المفهوم ، ففي جوازه احتمالان ، ذكرهما  
الصفي الهندي ،  قال : والأظهر أنه لا يجوز .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=16026سليم الرازي     : في التقريب : من أصحابنا من قال يجوز أن يسقط اللفظ ويبقى دليل الخطاب ؟  
والمذهب أنه لا يجوز ذلك ; لأن الدليل إنما هو تابع للفظ يستحيل أن يسقط الأصل ويكون الفرع باقيا .
وأما  
مفهوم الموافقة     : فاختلفوا هل يجوز نسخه ، وللنسخ به ، أم لا ؟  
أما جواز النسخ به ، فجزم القاضي بجوازه في التقريب وقال : لا فرق في جواز النسخ بما اقتضاه نص الكتاب وظاهره ، جوازه بما اقتضاه فحواه ولحنه ، ومفهومه ، وما أوجبه العموم ودليل الخطاب عند مثبتها ; لأنه كالنص أو أقوى منه . انتهى .  
وكذا جزم بذلك  
ابن السمعاني .  قال : لأنه مثل النطق وأقوى .   
[ ص: 566 ] ونقل  
 nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي ،   nindex.php?page=showalam&ids=16785والفخر الرازي  الاتفاق على أنه ينسخ به ما ينسخ بمنطوقه ، قال  
الزركشي  في البحر وهو عجيب ، فإن في المسألة وجهين لأصحابنا وغيرهم ، حكاهما  
الماوردي  في الحاوي  
والشيخ أبو إسحاق  في اللمع  
 nindex.php?page=showalam&ids=16026وسليم الرازي ،  وصححوا المنع ،  
والماوردي  نقله عن الأكثرين ، قال : لأن القياس فرع النص ، الذي هو أقوى ، فلا يجوز أن يكون ناسخا له .  
قال : والثاني - وهو اختيار  
 nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة  وجماعة - الجواز .  
وأما جواز نسخه فهو ينقسم إلى قسمين :  
( الأول ) : أن ينسخ مع بقاء أصله .  
( والثاني ) : أن ينسخ تبعا لأصله .  
ولا شك في جواز الثاني .  
وأما الأول : فقد اختلف فيه الأصوليون على قولين :  
( أحدهما ) : الجواز ، وبه قال أكثر المتكلمين ، وجعلوه مع أصله كالنصين ، يجوز نسخ أحدهما مع بقاء الآخر . ونقله  
سليم  عن  
الأشعري  وغيره من المتكلمين قال : بناء على أصلهم أن ذلك مستفاد من اللفظ ، فكانا بمنزلة لفظين ، فجاز نسخ أحدهما ، مع بقاء حكم الآخر .  
( القول الثاني ) : المنع ، وصححه  
 nindex.php?page=showalam&ids=16026سليم الرازي ،  وجزم به  
الروياني ،  والماوردي ،  ونقله  
ابن السمعاني  عن أكثر الفقهاء ; لأن ثبوت لفظه موجب لفحواه ومفهومه ، فلم يجز نسخ الفحوى مع بقاء موجبه ، كما لا ينسخ القياس مع بقاء أصله .  
وذهب بعض المتأخرين إلى التفصيل ، فقال : إن كانت علة المنطوق لا تحتمل التغيير ، كإكرام الوالدين بالنهي عن التأفيف ، فيمتنع نسخ الفحوى ; لأنه يناقض المقصود ، وإن احتملت النقض جاز ، كما لو قال لغلامه : لا تعط زيدا درهما ، قاصدا بذلك حرمانه ، ( لأكثر منه ) ثم يقول : أعطه أكثر من درهم ، ولا تعطه درهما ، لاحتمال أنه انتقل من علة حرمانه إلى علة مواساته .  
وهذا التفصيل قوي جدا .