إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
المسألة السادسة عشرة

[ في أن النقصان من العبادة نسخ ]

لا خلاف في أن النقصان من العبادة نسخ لما أسقط منها ; لأنه كان واجبا في جملة العبادة ثم أزيل وجوبه . ولا خلاف أيضا في أن ما لا يتوقف عليه صحة العبادة لا يكون نسخه نسخا لها ، كذا نقل الإجماع الآمدي والفخر الرازي .

وأما نسخ ما يتوقف عليه صحة العبادة ، سواء كان جزءا لها ، كالشطر أو خارجا كالشرط ، فاختلفوا فيه على مذاهب .

( الأول ) : أن نسخه لا يكون نسخا للعبادة ، بل يكون بمثابة تخصيص العام ، قال [ ص: 571 ] ابن برهان وهو قول علمائنا .

وقال ابن السمعاني : إليه ذهب الجمهور ، من أصحاب الشافعي ، واختاره الفخر الرازي ، والآمدي ، قال الأصفهاني : إنه الحق ، وحكاه صاحب المعتمد عن الكرخي .

( الثاني ) : أنه نسخ للعبادة ، وإليه ذهب الحنفية ، كما حكاه عنهم ابن برهان ، وابن السمعاني .

( الثالث ) : التفصيل بين الشرط ، فلا يكون نسخه نسخا للعبادة ، وبين الجزء كالقيام ، والركوع في الصلاة ، فيكون نسخه نسخا لها ، وإليه ذهب القاضي عبد الجبار ، ووافقه الغزالي ، وصححه القرطبي .

قالوا : لأن الشرط خارج عن ماهية المشروط ، بخلاف الجزء ، وهذا في الشرط المتصل ، أما الشرط المنفصل ، فقيل : لا خلاف في أن نسخه ليس بنسخ للعبادة; لأنهما عبادتان منفصلتان .

وقيل : إن كان مما لا تجزئ العبادة قبل النسخ إلا به ، فيكون نسخه نسخا لها ، من غير فرق بين الشرط والجزء ، وإن كان مما تجزئ العبادة قبل النسخ بدونه فلا يكون نسخه نسخا لها .

وهذا هو المذهب الرابع ، حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع .

احتج القائلون بأنه لا يكون نسخا مطلقا ، من غير فرق بين الشرط والشطر ، بأنهما أمران; فلا يقتضي نسخ أحدهما نسخ الآخر .

وأيضا لو كان نسخا للعبادة لافتقرت في وجوبها إلى دليل آخر غير الدليل الأول ، وإنه باطل بالاتفاق .

واحتج القائلون بأن نسخ الشطر يقتضي نسخ العبادة ، دون نسخ الشرط ، بأن نقصان الركعة من الصلاة يقتضي رفع وجوب تأخير التشهد ، ورفع إجزائها من دون الركعة; لأن تلك العبادة قبل النسخ كانت غير مجزئة بدون الركعة .

وأجيب : بأن للباقي من العبادة أحكاما مغايرة لأحكامها قبل رفع ذلك الشطر ، فكان النسخ مغايرا لنسخ تلك العبادة .

[ ص: 572 ] وأيضا الثابت في الباقي هو الوجوب الأصلي ، والزيادة باقية على الجواز الأصلي ، وإنما الزائل وجوبها ، فارتفع حكم شرعي لا إلى حكم شرعي ، فلا يكون ذلك نسخا .

التالي السابق


الخدمات العلمية