إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
والمعارضة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

معارضة في الأصل .

ومعارضة في الفرع .

ومعارضة في الوصف .

أما المعارضة في الأصل : فبأن يذكر علة أخرى في الأصل سوى العلة التي علل بها المستدل ، وتكون تلك العلة معدومة ( في الفرع ) ويقول : إن الحكم في الأصل إنما [ ص: 668 ] كان بهذه العلة التي ذكرها المعترض ، لا بالعلة التي ذكرها المستدل .

قال ابن السمعاني ، والصفي الهندي : وهذا هو سؤال الفرق .

وذكر بعض أهل الأصول : أنه لا فرق بين أن تكون العلة التي يبديها المعترض مستقلة بالحكم ، كمعارضة الكيل بالطعم ، أو غير مستقلة ، بل هي جزء علة ، كزيادة الجارح في القتل العمد العدوان في مسألة القتل بالمثقل ، وهذا إذا كانت العلة التي جاء بها المعترض مسلمة من خصمه ، أو محتملة احتمالا راجحا ، أما إذا تعارضت الاحتمالات ، فقيل : يرجح وصف المستدل .

وقيل : وصف المعترض .

وقيل : لا وجه لترجيح أحدهما على الآخر ، بل هو من التحكيم المحض .

ثم اختلفوا مع عدم الترجيح هل تقتضي هذه المعارضة إبطال دليل المستدل أم لا ؟ على قولين ، حكاهما الأستاذ أبو منصور .

ثم اختلفوا هل يجب على المعترض بيان انتفاء الوصف الذي عارض به الأصل عن الفرع على أقوال :

( الأول ) : أنه لا يجب ، بل على المستدل أن يبين ثبوته في الفرع ، ليصح الإلحاق وإلا بطل الجمع .

( الثاني ) : أنه يجب على المعترض البيان ; لأن الفرق لا يتم إلا بذلك .

( الثالث ) : أنه إن قصد الفرق بين الأصل والفرع ; وجب عليه ذلك ، وإلا لم يجب وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب .

وجواب هذه المعارضة يكون إما بمنع وجود الوصف في الأصل ، أو بمنع المناسبة ، أو منع الشبه ، إن أثبته بأحدهما ; لأن المعارضة لا تتم من المعترض ، إلا إذا كان الوصف الذي عارض به في الأصل مناسبا أو شبها ، إذ لو كان طرديا لم تصح المعارضة ، أو بمنع كون الوصف الذي أبداه المعترض ظاهرا ، أو بمنع كونه منضبطا ، أو ببيان إلغاء الوصف الذي وقعت به المعارضة أو ببيان رجوعه إلى عدم وجود وصف في الفرع ، لا [ ص: 669 ] إلى ثبوت معارض في الأصل .

وأما المعارضة في الفرع : فهي أن يعارض حكم الفرع بما يقتضي نقيضه ، أو ضده ، بنص أو إجماع ، أو بوجود مانع ، أو بفوات شرط ، فيقول : ما ذكرت من الوصف ، وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع ، فعندي وصف آخر ، يقتضي نقيضه ، أو ضده ، بنص هو كذا ، أو إجماع على كذا ، أو بوجود مانع ، لما ذكرته من الوصف ، أو بفوات شرط له .

وقد قبل هذا الاعتراض ، أعني المعارضة في الفرع ، بعض أهل الأصول والجدل ، ونفاه آخرون فقالوا : إن دلالة المستدل على ما ادعاه قد تمت .

قال الصفي الهندي : وهو ظاهر إلا فيما إذا كانت المعارضة بفوات شرط .

وأما المعارضة في الوصف فهي على قسمين :

( أحدهما ) : أن يكون بضد حكمه .

( والثاني ) : أن يكون في عين حكمه ، مع تعذر الجمع بينهما .

مثال الأول : أن يقول المستدل في الوضوء : إنها طهارة حكمية ، فتفتقر إلى النية ، قياسا على التيمم .

فيقول المعارض : طهارة بالماء ، فلا تفتقر إلى النية ، قياسا على إزالة النجاسة ، فلا بد عند ذلك من الترجيح .

ومثال الثاني : أن يقول المعترض : نفس هذا الوصف الذي ذكرته يدل على خلاف ما تريده ، ثم يوضح ذلك بما يكون محتملا .

التالي السابق


الخدمات العلمية