معنى بعض حروف المعاني  
وقد ذكر جماعة من أهل الأصول في المبادئ مباحث في  
بعض الحروف التي ربما يحتاج إليها الأصولي  ، وأنت خبير بأنها مدونة في فن مستقل مبينة بيانا تاما ، وذلك كالخلاف في  
الواو هل هي لمطلق الجمع أو للترتيب ؟  
فذهب إلى الأول جمهور النحاة ، والأصوليين ، والفقهاء .  
قال  
أبو علي الفارسي     : أجمع نحاة  
البصرة   ،  
والكوفة   ، على أنها للجمع المطلق .  
وذكر  
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  في سبعة عشر موضعا من كتابه ، أنها للجمع المطلق ، وهو الحق .  
وقال  
الفراء  وثعلب  وأبو عبيد     : إنها للترتيب .   
[ ص: 114 ] وروي هذا عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  والمؤيد بالله  وأبي طالب     . احتج الجمهور بأن  
الواو قد تستعمل فيما يمتنع الترتيب فيه  ، كقولهم : تقاتل زيد وعمرو ، ولو قيل : تقاتل زيد فعمرو ، أو تقاتل زيد ثم عمرو ، لم يصح ، والأصل الحقيقة ، فوجب أن يكون حقيقة في غير الترتيب .  
وأيضا : لو اقتضت الواو الترتيب لم يصح قولك : رأيت زيدا وعمرا بعده ، أو رأيت زيدا وعمرا قبله ; لأن قولك : بعده ، يكون تكرارا لما تفيده الواو من الترتيب ، وقولك : قبله ، يكون مناقضا لمعنى الترتيب .  
ويمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال : بأنه امتنع جعل الواو هنا للترتيب ; لوجود مانع ، ولا يستلزم ذلك امتناعه عند عدمه .  
واحتجوا أيضا بقوله تعالى :  
وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة  في سورة البقرة ، وقال في سورة الأعراف :  
وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا  وقوله :  
واسجدي واركعي مع الراكعين  مع أن الركوع مقدم على السجود ، وقوله :  
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله  وقوله :  
أو تقطع أيديهم وأرجلهم  وقوله :  
والسارق والسارقة  و  
الزانية والزاني  وليست في شيء من هذه المواضع للترتيب ، وهكذا في غيرها مما يكثر تعداده .  
وعلى كل حال فأهل اللغة العربية لا يفهمون من قول من قال : اشتر الطعام والإدام ، أو اشتر الإدام والطعام الترتيب أصلا ، وأيضا لو كانت الواو للترتيب ، لفهم الصحابة رضي الله عنهم من قوله سبحانه :  
إن الصفا والمروة من شعائر الله  أن الابتداء يكون من  
الصفا   من دون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم      
[ ص: 115 ] عن ذلك ، ولكنهم سألوه فقال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337992ابدءوا بما بدأ الله به     .  
واحتج القائلون بالترتيب ، بما صح أن خطيبا قال في خطبته : من يطع الله ورسوله فقد اهتدى ، ومن عصاهما فقد غوى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337993بئس خطيب القوم أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله     .  
ولو كان الواو لمطلق الجمع لما افترق الحال بين ما علمه الرسول ، وبين ما قاله .  
وأجيب عن هذا : بأنه إنما أمره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ; لأنه فهم منه اعتقاد التسوية بين الله ورسوله ، فأمره بعدم الجمع بينهما في ضمير واحد تعظيما لله سبحانه .  
والحاصل : أنه لم يأت القائلون بإفادة الواو للترتيب بشيء يصلح للاستدلال به ويستدعي الجواب عنه .  
وكما أن الواو لمطلق الجمع من دون ترتيب ولا معية ، فالفاء للتعقيب بإجماع أهل اللغة ، وإذا وردت لغير تعقيب ، فذلك لدليل آخر ، مقترن معناه بمعناها .  
وكذلك ( في ) للظرفية إما محققة أو مقدرة .  
وكذلك ( من ) ترد لمعان .  
وكذلك ( الباء ) لها معان مبينة في علم الإعراب ، فلا حاجة لنا إلى التطويل بهذه الحروف ، التي لا يتعلق بتطويل الكلام فيها كثير فائدة ، فإن معرفة ذلك قد عرفت من ذلك العلم .