إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
وأما المرجحات بحسب الأمور الخارجة فهي أنواع :

( النوع الأول ) : أنه يقدم ما عضده دليل آخر على ما لم يعضده دليل آخر .

( النوع الثاني ) : أن يكون أحدهما قولا والآخر فعلا ، فيقدم القول ؛ لأن له صيغة ، والفعل لا صيغة له .

( النوع الثالث ) : أنه يقدم ما كان فيه التصريح بالحكم ، على ما لم يكن كذلك ، كضرب الأمثال ونحوها ، فإنها ترجح العبادة على الإشارة .

( النوع الرابع ) : أنه يقدم ما عمل عليه أكثر السلف على ما ليس كذلك ؛ لأن الأكثر أولى بإصابة الحق وفيه نظر ؛ لأنه لا حجة في قول الأكثر ، ولا في عملهم ، فقد يكون الحق في كثير من المسائل مع الأقل ، ولهذا مدح الله القلة في غير موضع من كتابه .

( النوع الخامس ) : أن يكون أحدهما موافقا لعمل الخلفاء الأربعة دون الآخر ، فإنه يقدم الموافق وفيه نظر .

( النوع السادس ) : أن يكون أحدهما توارثه أهل الحرمين دون الآخر ، وفيه نظر .

( النوع السابع ) : أن يكون أحدهما موافقا لعمل أهل المدينة ، وفيه نظر أيضا .

( النوع الثامن ) : أن يكون أحدهما موافقا للقياس دون الآخر ، فإنه يقدم الموافق .

( النوع التاسع ) : أن يكون أحدهما أشبه بظاهر القرآن ، دون الآخر ، فإنه يقدم الأشبه .

[ ص: 795 ] ( النوع العاشر ) : أنه يقدم ما فسره الراوي له بقوله ، أو فعله على ما لم يكن كذلك .

وقد ذكر بعض أهل الأصول مرجحات في هذا القسم زائدة على ما ذكرناه هاهنا ، وقد ذكرناها في الأنواع المتقدمة ؛ لأنها بها ألصق ، ومن أعظم ما يحتاج إلى المرجحات الخارجة إذا تعارض عمومان بينهما عموم وخصوص من وجه ، وذلك كقوله - تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين مع قوله : أو ما ملكت أيمانكم فإن الأولى خاصة في الأختين ، عامة في الجمع بين الأختين في الملك ، أو بعقد النكاح ، والثانية عامة في الأختين وغيرهما ، خاصة في ملك اليمين ، وكقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها مع نهيه عن الصلاة في الأوقات المكروهة فإن الأول عام في الأوقات ، خاص في الصلاة المقتضية ، والثاني عام في الصلاة ، خاص في الأوقات ، فإن علم المتقدم من العمومين ، والمتأخر منهما ، كان المتأخر ناسخا عند من يقول إن العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم .

وأما من لا يقول ذلك فإنه يعمل بالترجيح بينهما .

وإن لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب الرجوع إلى الترجيح ، على القولين جميعا ، بالمرجحات المتقدمة .

وإذا استويا إسنادا ومتنا ودلالة رجع إلى المرجحات الخارجية .

وإن لم يوجد مرجح خارجي ، وتعارضا من كل وجه فعلى الخلاف المتقدم ، هل يخير المجتهد في العلم بأحدهما ، أو يطرحهما ، ويرجع إلى دليل آخر إن وجد ، أو إلى البراءة الأصلية .

[ ص: 796 ] ونقل سليم الرازي عن أبي حنيفة أنه يقدم الخبر الذي فيه ذكر الوقت ، ولا وجه لذلك .

قال ابن دقيق العيد : هذه المسألة من مشكلات الأصول ، والمختار عند المتأخرين الوقف ، إلا بترجيح يقوم على أحد اللفظين بالنسبة إلى الآخر ، وكأن مرادهم الترجيح العام ، الذي لا يخص مدلول العموم كالترجيح بكثرة الرواة ، وسائر الأمور الخارجة عن مدلول العموم ، ثم حكي عن الفاضل أبي سعيد محمد بن يحيى أنه ينظر فيهما ، فإن دخل أحدهما تخصيص مجمع عليه فهو أولى بالتخصيص ، وكذلك إذا كان أحدهما مقصودا بالعموم رجح على ما كان عمومه اتفاقيا .

قال الزركشي في البحر : وهذا هو اللائق بتصرف الشافعي في أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، فإنه قال لما دخلها التخصيص بالإجماع في صلاة الجنازة ضعفت دلالتها ، فتقدم عليها أحاديث المقضية ، وتحية المسجد وغيرهما ، وكذلك نقول دلالة وأن تجمعوا بين الأختين على تحريم الجمع مطلقا في النكاح والملك - أولى من دلالة الآية الثانية على جواز الجمع في ملك اليمين ؛ لأن هذه الآية ما سيقت لبيان حكم الجمع .

التالي السابق


الخدمات العلمية