إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
وأما الترجيح بين الأقيسة : فلا خلاف أنه يكون بين ما هو معلوم منها .

وأما ما كان مظنونا ، فذهب الجمهور إلى أنه يثبت الترجيح بينها ، وحكى إمام الحرمين عن القاضي أنه ليس في الأقيسة المظنونة ترجيح ، وإنما المظنون على حسب الاتفاق ، قال إمام الحرمين : وبناء على أصله أنه ليس في مجال المظنون مطلوب ، وإذا لم يكن فيها مطلوب فلا طريق على التعيين ، وإنما المظنون على حسب الوفاق .

قال إمام الحرمين : وهذه هفوة عظيمة ، ثم ألزمه القول بأنه لا أصل للاجتهاد .

قال الزركشي : والحق أن القاضي لم يرد ما حكاه عنه ، وقد عقد فصولا في [ ص: 797 ] " التقريب " في تقديم بعض العلل على بعض ، فعلم أنه ليس يعني إنكار الترجيح فيها ، وإنما مراده أنه لا يقدم نوع على نوع على الإطلاق ، بل ينبغي أن يرد الأمر في ذلك إلى ما يظنه المجتهد راجحا ، والظنون تختلف ، فإنه قد يتفق في آحاد النوع القوي شيء يتأخر عن النوع الضعيف . انتهى .

والترجيح بين الأقيسة يكون على أنواع :

النوع الأول : بحسب العلة .

النوع الثاني : بحسب الدليل الدال على وجود العلة .

النوع الثالث : بحسب الدليل الدال على علية الوصف للحكم .

النوع الرابع : بحسب دليل الحكم .

النوع الخامس : بحسب كيفية الحكم .

النوع السادس : بحسب الأمور الخارجة .

النوع السابع : بحسب الفرع .

أما الترجيح بينها بحسب العلة : فهو أقسام .

( الأول ) : أنه يرجح القياس المعلل بالوصف الحقيقي الذي هو مظنة الحكمة على القياس المعلل بنفس الحكمة ؛ للإجماع بين أهل القياس على صحة التعليل بالمظنة ، فيرجح التعليل بالسفر الذي هو مظنة المشقة على التعليل بنفس المشقة .

( القسم الثاني ) : ترجيح التعليل بالحكمة على التعليل بالوصف العدمي ؛ لأن العدم لا يكون علة ، إلا إذا علم اشتماله على الحكمة .

( القسم الثالث ) : أنه يرجح المعلل حكمة بالوصف العدمي على المعلل حكمة ، بالحكم الشرعي ؛ لأن التعليل بالعدمي يستدعي كونه مناسبا للحكم ، والحكم الشرعي لا يكون علة إلا بمعنى الأمارة ، والتعليل بالمناسب أولى من التعليل بالأمارة ، هكذا قال صاحب المنهاج واختاره .

[ ص: 798 ] وذكر إمام الحرمين الجويني في هذا احتمالين .

( القسم الرابع ) : أنه يرجح المعلل بالحكم الشرعي على غيره .

( القسم الخامس ) : أنه يرجح المعلل بالمتعدية على المعلل بالقاصرة ، قاله القاضي ، والأستاذ أبو منصور ، وابن برهان .

قال إمام الحرمين : وهو المشهور ، فإنه أكثر فائدة .

وقال الأستاذ أبو إسحاق : أنها ترجح القاصرة ؛ لأنها معتضدة بالنص ، ورجحه في المستصفى .

( القسم السادس ) : أنها ترجح العلة المتعدية التي فروعها أكثر على العلة المتعدية التي فروعها أقل ؛ لكثرة الفائدة . قاله الأستاذ أبو منصور وزيفه صاحب المنخول وكلام إمام الحرمين يقتضي أنه لا ترجيح بذلك .

( القسم السابع ) : أنها ترجح العلل البسيطة على العلل المركبة ، كذا قال الجدليون ؛ وأكثر الأصوليين ، إذ يحتمل في العلل المركبة أن تكون العلة فيها هي بعض الأجزاء لا كلها ، وأيضا البسيطة يكثر فروعها وفوائدها ، ويقل فيها الاجتهاد ، فيقل الغلط ، على ما في المركبة من الخلاف في جواز التعليل بها كما تقدم .

وقال جماعة : المركبة أرجح ، قال القاضي في مختصر التقريب : ولعله الصحيح .

وقال إمام الحرمين : إن هذا المسلك باطل عند المحققين .

( القسم الثامن ) : أنها ترجح العلة القليلة الأوصاف على العلة الكثيرة الأوصاف ؛ لأن الوصف الزائد لا أثر له في الحكم ؛ ولأن كثرة الأوصاف يقل فيها التفريع .

وقيل : وهو مجمع على هذا المرجح بين المحققين من الأصوليين ، إذا كانت القليلة الأوصاف داخلة تحت الكثيرة الأوصاف ، فإن كانت غير داخلة ، مثل أن يكون أوصاف إحداهما غير أوصاف الأخرى ، فاختلفوا في ذلك ، قيل : ترجح القليلة الأوصاف ، وقيل : ترجح الكثيرة الأوصاف .

[ ص: 799 ] ( القسم التاسع ) : أنه يرجح الوصف الوجودي على العدمي ، وكذا الوصف المشتمل على وجوديين على الوصف المشتمل على وجودي وعدمي ، كذا في المحصول .

( القسم العاشر ) : أنها ترجح العلة المحسوسة على الحكمية ، وقيل بالعكس .

( القسم الحادي عشر ) : أنها ترجح العلة التي مقدماتها قليلة على العلة التي مقدماتها كثيرة ؛ لأن صدق الأولى ، وغلبة الظن بها أكثر من الأخرى ، وقيل : بالعكس ، وقيل : هما سواء .

( القسم الثاني عشر ) : ( أنها تقدم العلة المطردة المنعكسة على العلة التي تطرد ولا تنعكس ؛ لأن الأولى مجمع على صحتها بخلاف الأخرى . )

( القسم الثالث عشر ) : أنها ترجح العلة المشتملة على صفة ذاتية على العلة المشتملة على صفة حكمية ، وقيل : بالعكس ، ورجحه ابن السمعاني .

( القسم الرابع عشر ) : أنها ترجح العلة الموجبة للحكم على العلة المقتضية للتسوية بين حكم وحكم ؛ للإجماع على جواز التعليل بالأولى ، بخلاف الثانية ففيها خلاف .

وقال أبو سهل الصعلوكي : إن علة التسوية أولى ، لكثرة الشبه فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية