البحث الخامس : بحث  
اعتبار المجتهد المبتدع في الإجماع  
هل يعتبر في الإجماع المجتهد المبتدع ، إذا كانت بدعته تقتضي تكفيره ؟  
فقيل : لا يعتبر في الإجماع . قال  
الزركشي     : بلا خلاف ، لعدم دخوله في مسمى الأمة المشهود لهم بالعصمة ، وإن لم يعلم هو كفر نفسه . قال  
الصفي الهندي     : لو ثبت لكان لا يمكن الاستدلال بإجماعنا على كفره بسبب ذلك الاعتقاد ; لأنه إنما ينعقد إجماعنا وحده على كفره لو ثبت كفره ، وإثبات كفره بإجماعنا وحده دور .  
وأما إذا وافقنا هو على ما ذهب إليه كفر ، فحينئذ يثبت كفره ; لأن قوله معتبر في الإجماع على أنه كافر ، لا لإجماعنا وحده ، وأما إذا اعتقد ما لا يقتضي التكفير ، بل التضليل والتبديع ، فاختلفوا فيه على أقوال : الأول : اعتبار قوله في الإجماع ، لكونه من أهل الحل والعقد . قال  
الهندي  وهو الصحيح .  
الثاني : لا يعتبر ، قال الأستاذ  
أبو منصور  قال أهل السنة : لا يعتبر في      
[ ص: 254 ] الإجماع وفاق  
القدرية   والخوارج   والرافضة      .  
وهكذا رواه  
أشهب  عن  
مالك  ورواه  
 nindex.php?page=showalam&ids=14747العباس بن الوليد  عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي  ، ورواه  
أبو سليمان الجوزجاني  عن  
محمد بن الحسن  وحكاه  
 nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور  عن أئمة الحديث .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي     : ولا يخرج عن الإجماع من كان من أهل العلم ، وإن اختلفت بهم الأهواء ، كمن قال بالقدر ، ومن رأى الإرجاء ، وغير ذلك من اختلاف آراء  
أهل الكوفة   والبصرة   ، إذا كان من أهل الفقه .  
فإذا قيل : قالت  
الخطابية   والرافضة   كذا لم يلتفت إلى هؤلاء في الفقه ; لأنهم ليسوا من أهله .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان  الإجماع عندنا إجماع أهل العلم ، فأما من كان من أهل الأهواء ، فلا مدخل له فيه .  
قال : قال أصحابنا في  
الخوارج      : لا مدخل لهم في الإجماع والاختلاف ; لأنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه ، لأنهم يكفرون سلفنا الذين أخذنا عنهم أصل الدين .   
[ ص: 255 ] وممن اختار أنه لا يعتد به من الحنفية  
أبو بكر الرازي  ، ومن الحنابلة القاضي  
أبو يعلى  ، واستقرأه من كلام  
أحمد  لقوله : لا يشهد عندي رجل ليس هو عندي بعدل ، وكيف أجوز حكمه ؟ قال القاضي يعني  
الجهمي     :  
القول الثالث : أنه لا ينعقد عليه الإجماع ، وينعقد على غيره ، يعني أنه يجوز له مخالفة من عداه إلى ما أدى إليه اجتهاده ، ولا يجوز لأحد أن يقلده ، كذا حكاه  
 nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي  وتابعه المتأخرون .  
القول الرابع : التفصيل بين من كان من المجتهدين المبتدعين داعية ، فلا يعتبر في الإجماع ، وبين من لم يكن داعية ، فيعتبر . حكاه  
 nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم  في كتاب الإحكام ونقله عن جماهير سلفهم من المحدثين ، قال : وهو قول فاسد ; لأنا نراعي العقيدة .  
قال  
القاضي أبو بكر  والأستاذ  
أبو إسحاق     : أنه لا يعتد بخلاف من أنكر القياس ، ونسبه إلى الجمهور ، وتابعهم إمام الحرمين  
 nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي  ، قالوا : لأن من أنكره لا يعرف طرق الاجتهاد ، وإنما هو متمسك بالظواهر ، فهو كالعامي الذي لا معرفة له .  
ولا يخفاك أن هذا التعليل يفيد خروج من عرف القياس ، وأنكر العمل به كما كان من كثير من الأئمة ، فإنهم أنكروه عن علم به لا عن جهل له .  
قال  
النووي  في باب السواك من شرح  
مسلم     : إن مخالفة  
داود  لا تقدح في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون .  
وقال صاحب المفهم : جل الفقهاء والأصوليين أنه لا يعتد بخلافهم ، بل هم من جملة العوام ، وإن من اعتد بهم فإنما ذلك لأن مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع ، والحق خلافه .   
[ ص: 256 ] وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب  في الملخص : يعتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل ، ويمنع العموم ، ومن حمل الأمر على الوجوب ; لأن مدار الفقه على هذه الطرق .  
وقال  
الجويني     : المحققون لا يقيمون لخلاف  
الظاهرية   وزنا ; لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ، ولا تفي النصوص بعشر معشارها .  
ويجاب عنه : بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها ، وتدبر آيات الكتاب العزيز ، وتوسع في الاطلاع على السنة المطهرة ، علم بأن نصوص الشريعة تفي بجميع ما تدعو الحاجة إليها في جميع الحوادث ، وأهل الظاهر فيهم من أكابر الأئمة وحفاظ الشريعة المتقيدين بنصوص الشريعة ، جمع جم ، ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة ، التي لم يدل عليها كتاب ، ولا سنة ، ولا قياس مقبول .  
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها  
نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها ، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه ألبتة قليلة جدا .