إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
البحث الثاني عشر : بحث الإجماع على شيء بعد الإجماع على خلافه

هل يجوز الإجماع على شيء وقد وقع الإجماع على خلافه

فقيل : إن كان الإجماع الثاني من المجمعين على الحكم الأول ، كما لو اجتمع أهل مصر على حكم ثم ظهر لهم ما يوجب الرجوع عنه ، وأجمعوا على ذلك الذي ظهر لهم ، ففي جواز الرجوع خلاف مبني على الخلاف المتقدم فياشتراط انقراض عصر أهل الإجماع ، فمن اعتبره جوز ذلك ، ومن لم يعتبره لم يجوزه ، أما إذا كان الإجماع من غيرهم فمنعه الجمهور ; لأنه يلزم تصادم الإجماعين وجوزه أبو عبد الله البصري . قال الرازي وهو الأولى .

واحتج الجمهور بأن كون الإجماع الأول حجة يقتضي امتناع حصول إجماع آخر مخالف له . وقال أبو عبد الله البصري : إنه لا يقتضي ذلك ; لإمكان تصور كونه حجة إلى غاية هي حصول إجماع آخر ، قال الصفي الهندي : ومأخذ أبي عبد الله قوي ، وحكى أبو الحسن السهيلي في أدب الجدل له في هذه المسألة ، أنها إذا أجمعت الصحابة على قول ، ثم أجمع التابعون على قول آخر ، فعن الشافعي جوابان :

أحدهما : وهو الأصح ، أنه لا يجوز وقوع مثله ; لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن أمته لا تجتمع على ضلالة .

والثاني : لو صح وقوعه فإنه يجب على التابعين الرجوع إلى قول الصحابة ، وقال : وقيل : إن كل واحد منهما حق وصواب على قول من يقول : إن كل مجتهد مصيب ، وليس بشيء ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية