إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
البحث التاسع عشر : في الإجماع الذي يخالف فيه واحد من المجتهدين

إذا خالف أهل الإجماع واحد من المجتهدين فقط : فذهب الجمهور إلى أنه لا يكون إجماعا ولا حجة .

قال الصيرفي : ولا يقال لهذا شاذ ; لأن الشاذ من كان في الجملة ثم شذ عنهم ، كيف يكون محجوبا بهم ؟ ولا يقع اسم الإجماع إلا به قال : إلا أن يجمعوا على شيء من جهة الحكاية ، فيلزمه قبول قولهم ، أما من جهة الاجتهاد فلا ; لأن الحق قد يكون معه .

وقال الغزالي والمذهب انعقاد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل ، ونقله الآمدي عن محمد بن جرير الطبري وأبي الحسين الخياط من معتزلة بغداد .

قال الشيخ أبو محمد الجويني ، والد إمام الحرمين ، والشرط أن يجمع جمهور تلك الطبقة ووجوههم ومعظمهم ، ولسنا نشترط قول جميعهم ، وكيف نشترط ذلك وربما يكون في أقطار الأرض من المجتهدين من لم نسمع به ؟ فإن السلف الصالح كانوا يعلمون ، ويتسترون بالعلم فربما كان الرجل قد أخذ الفقه الكثير ، ولا يعلم به جاره ، قال : والدليل على هذا أن الصحابة لما استخلفوا أبا بكر انعقدت خلافته بإجماع الحاضرين ، ومعلوم أن من الصحابة من غاب قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض البلدان ، ومن حاضري المدينة من لم يحضر البيعة ، ولم يعتبر ذلك مع اتفاق الأكثرين .

[ ص: 276 ] قال الصفي الهندي : والقائلون بأنه إجماع مرادهم : أنه ظني ، لا قطعي .

واحتج ابن جرير على عدم اعتبار قول الأقل بارتكابه الشذوذ المنهي عنه .

وأجيب عنه : بأن الشذوذ المنهي عنه هو : ما يشق عصا المسلمين لا في أحكام الاجتهاد .

وقال الأستاذ أبو إسحاق أن ابن جرير قد شذ عن الجماعة في هذه المسألة ، فينبغي أن لا يعتبر خلافه .

وقيل : إنه حجة ، وليس بإجماع ، ورجحه ابن الحاجب فإنه قال : لو قدر المخالف مع كثرة المجمعين ، لم يكن إجماعا قطعيا ، والظاهر : أنه حجة لبعد أن يكون الراجح متمسك المخالف .

وقيل : إن عدد الأقل إن بلغ عدد التواتر لم ينعقد إجماع غيرهم ، وإن كانوا دون عدد التواتر انعقد الإجماع دونهم ، كذا حكاه الآمدي .

قال القاضي أبو بكر : أإنه الذي يصح عن ابن جرير .

وقيل : اتباع الأكثر أولى ، ويجوز خلافه ، حكاه الهندي .

وقيل : أنه لا ينعقد الإجماع مع مخالفة الاثنين دون الواحد .

وقيل : لا ينعقد مع مخالفة الثلاث دون الاثنين والواحد ، حكاهما الزركشي في البحر .

وقيل : إن استوعب الجماعة الاجتهاد فيما يخالفهم كان خلاف المجتهد معتدا به ، كخلاف ابن عباس في العول ، وإن أنكروه لم يعتد بخلافه ، وبه قال أبو بكر الرازي أبو عبد الله الجرجاني من الحنفية . قال شمس الأئمة السرخسي : إنه الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية