إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
[ ص: 280 ] [ ص: 281 ] المقصد الرابع

في الأوامر والنواهي والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والإجمال والتبيين والظاهر والمؤول والمنطوق والمفهوم والناسخ والمنسوخ

وسنجعل لكل ( واحد من ) هذه بابا مستقلا إن شاء الله .

ففي الأوامر والنواهي بابان :

الباب الأول : في مباحث الأمر

الباب الثاني : في مباحث النهي

[ ص: 282 ] [ ص: 283 ] الباب الأول : في مباحث الأمر

وهي أحد عشر فصلا

[ ص: 284 ] [ ص: 285 ] الفصل الأول : في حقيقة لفظ الأمر

قال في المحصول : اتفقوا على أن لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص ، واختلفوا في كونه حقيقة في غيره ، فزعم بعض الفقهاء أنه حقيقة في الفعل أيضا ، والجمهور على أنه مجاز فيه ، وزعم أبو الحسين أنه مشترك بين القول المخصوص ، وبين الشيء ، وبين الصفة ، وبين الشأن والطريق ، والمختار أنه حقيقة في القول المخصوص فقط ، أجمعنا على أنه حقيقة في القول المخصوص ، فوجب أن لا يكون حقيقة في غيره ، دفعا للاشتراك . انتهى .

ويجاب عنه : بأن مجرد الإجماع على كون أحد المعاني حقيقة لا ينفي حقيقة ما عداه ، فالأولى أن يقال : أن الذي سبق إلى الفهم من لفظ ألف ، ميم ، راء ، عند الإطلاق هو القول المخصوص ، والسبق إلى الفهم دليل الحقيقة ، والأصل عدم الاشتراك ، ولو كان مشتركا لتبادر إلى الفهم جميع ما هو مشترك فيه ، ولو كان متواطئا لم يفهم منه القول المخصوص على انفراده .

واستدل أيضا على أنه حقيقة في القول المخصوص ، بأنه لو كان حقيقة في الفعل لاطرد وكان يسمى الأكل أمرا والشرب أمرا ، ولكان يشتق للفاعل اسم الأمر ، وليس كذلك ; لأن من قام ، أو قعد لا يسمى آمرا .

وأيضا الأمر له لوازم ، ولم يوجد منها شيء في الفعل ، فوجب أن لا يكون الأمر حقيقة في الفعل .

وأيضا يصح نفي الأمر عن الفعل ، فيقال : ما أمر به ، ولكن فعله .

وأجيب : بمنع كون من شأن الحقيقة الاطراد وبمنع لزوم الاشتقاق في كل الحقائق ، وبمنع عدم وجود شيء من اللوازم في الفعل ، وبمنع تجويزهم لنفيه مطلقا .

واستدل القائلون بأنه حقيقة في الفعل بوجهين :

الأول : أن أهل اللغة يستعملون لفظ الأمر في الفعل ، وظاهر الاستعمال الحقيقة ، [ ص: 286 ] ومن ذلك قوله سبحانه حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور والمراد منه هنا العجائب التي أظهرها الله عز وجل ، وقوله أتعجبين من أمر الله أي من فعله ، وقوله وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر وقوله تجري في البحر بأمره وقوله مسخرات بأمره ومن ذلك قول الشاعر :


لأمر ما يسود من يسود

وقول العرب في أمثالها المضروبة : لأمر ما جدع قصير أنفه ، والأصل في الإطلاق الحقيقة .

الوجه الثاني : أنه قد خولف بين جمع الأمر بمعنى القول وبين جمعه بمعنى الفعل ، فقيل في الأول : أوامر ، وفي الثاني : أمور ، والاشتقاق علامة الحقيقة .

وأجيب عن الأول : بأنا لا نسلم استعمال اللفظ في الفعل من حيث أنه فعل ، أما قوله حتى إذا جاء أمرنا فلا مانع من أن يراد منه القول ، أو الشأن ، وإنما يطلق اسم الأمر على الفعل ، لعموم كونه شأنا ، لا لخصوص كونه فعلا . وكذا الجواب عن الآية الثانية .

وأما قوله سبحانه وما أمر فرعون برشيد فلم لا يجوز أن يكون المراد هو القول ، بل الأظهر ذلك ، لما تقدم من قوله فاتبعوا أمر فرعون أي أطاعوه فيما أمرهم به .

سلمنا أنه ليس المراد القول ، فلم لا يجوز أن يكون المراد شأنه وطريقته ، وأما قوله وما أمرنا إلا واحدة فلم لا يجوز إجراؤه على الظاهر ، ويكون معناه أن من شأنه سبحانه أنه إذا أراد شيئا وقع كلمح بالبصر .

[ ص: 287 ] وأما قوله : تجري في البحر بأمره وقوله : مسخرات بأمره ، فلا يجوز حمل الأمر فيهما على الفعل ; لأن الجري والتسخير إنما حصل بقدرته لا بفعله ، فوجب حمله على الشأن والطريق ، وهكذا قول الشاعر المذكور والمثل المشهور .

وأما قولهم : أن الأصل الحقيقة فمعارض بأن الأصل عدم الاشتراك .

وأجيب عن الوجه الثاني : بأنه يجوز أن يكون الأمور جمع الأمر بمعنى الشأن لا بمعنى الفعل ، سلمنا ، لكن لا نسلم أن الجمع من علامات الحقيقة .

واستدل أبو الحسين بقوله : بأن من قال هذا أمر لم يدر السامع أي هذه الأمور أراد ، فإذا قال هذا أمر بالفعل ، أو أمر فلان مستقيم ، أو تحرك هذا الجسم لأمر ، وجاء زيد لأمر ، عقل السامع من الأول القول ، ومن الثاني الشأن ، ومن الثالث أن الجسم تحرك بشيء ، ومن الرابع أن زيدا جاء لغرض من الأغراض ، وتوقف الذهن عند السماع يدل على أنه متردد بين الكل .

وأجيب : بأن هذا التردد ممنوع ، بل لا يفهم ما عدا القول إلا بقرينة مانعة من حمل اللفظ عليه ، كما إذا استعمل في موضع لا يليق بالقول .

التالي السابق


الخدمات العلمية