إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
[ ص: 321 ] الفصل السابع : في إجزاء الإتيان بالمأمور به على وجهه

اعلم أن الإتيان بالمأمور به على وجهه الذي أمر به الشارع قد وقع الخلاف فيه بين أهل الأصول ، هل يوجب الإجزاء أم لا ؟ ؟

وقد فسر فسر الإجزاء بتفسيرين :

أحدهما : حصول الامتثال به ، والآخر : سقوط القضاء به ، فعلى التفسير الأول لا شك أن الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي تحقق الإجزاء المفسر المفسر بالامتثال ، وذلك متفق عليه ، فإنه معنى الامتثال ، وحقيقته ذلك ، وإن فسر فسر بسقوط القضاء ، فقد اختلف فيه جماعة من أهل الأصول أن الإتيان بالمأمور به على وجه يستلزم سقوط القضاء .

وقال القاضي عبد الجبار : لا يستلزم .

استدل القائلون بالاستلزام : بأنه لو لم يستلزم سقوط القضاء لم يعلم امتثال أبدا ، واللازم منتف ، فالملزوم مثله مثله ، أما الملازمة فلأنه حينئذ يجوز أن يأتي بالمأمور به ، ولا يسقط عنه ، بل يجب عليه فعله فعله مرة أخرى قضاء ، وكذلك القضاء إذا فعله لم يسقط كذلك ، وأما انتفاء اللازم : فمعلوم قطعا واتفاقا .

وأيضا إن القضاء عبارة عن استدراك ما قد فات من مصلحة الأداء ، والفرض أنه قد جاء بالمأمور به على وجهه ، ولم يفت يفت منه شيء ، وحصل المطلوب بتمامه ، فلو أتى به استدراكا لكان تحصيلا للحاصل .

قال في المحصول : فعل المأمور به يقتضي الإجزاء خلافا لأبي هاشم وأتباعه . لنا وجوه :

الأول : أنه أتى بما أمر أمر به فوجب أن يخرج عن العهدة ، وإنما قلنا إنه أتى بما أمر به ; لأن المسألة مرفوضة فيما إذا كان الأمر كذلك ، وإنما قلنا يلزم أن يخرج عن العهدة ; لأنه لو بقي الأمر بعد ذلك لبقي إما متناولا للمأتي به أو لغيره ، والأول باطل ; لأن الحاصل لا يمكن تحصيله . والثاني باطل ; لأنه يلزم أن يكون الأمر قد كان متناولامتناولا لغيره ذلك الذي وقع مأتيا به ، ولو كان كذلك لما كان المأتي به تمام متعلق الأمر وقد فرضناه كذلك هذا خلف خلف .

[ ص: 322 ] والثاني : أنه لا يخلو إما أن يجب عليه فعله ثانيا ثانيا وثالثا ، أو يتفصى ينقضي عن عهدته بما ينطلق عليه الاسم ، والأول باطل لما بينا على أن الأمر يفيد التكرار ، والثاني هو المطلوب ; لأنه لا معنى للإأجزاء إلا كونه كافيا في الخروج عن عهدة الأمر .

والثالث : أنه لو لم يقتض الأإجزاء لكان يجوز أن يقول السيد لعبده : افعل ، فإذا فعلت فعلت لا يجزئ يجزئ عنك ، ولو قال ذلك أحد لعد لعد مناقضا .

احتج المخالف بوجوه :

الأول : أن النهي لا يدل على الفساد بمجرده ، فالأمر يجب أن لا يدل على الأإجزاء بمجرده .

والثاني : أن أن كثيرا من العبادات يجب على الشارع فيها إتمامها إتمامها والمضي فيها ، ولا تجزئه تجزئه عن المأمور به كالحجة كالحجة الفاسدة ، والصوم الذي جامع فيه .

والثالث : أن الأمر بالشيء لا يفيد إلا كونه مأمورا به ، فأما أن الإتيان به يكون سببا لسقوط التكليف فذاك لا يدل عليه بمجرد الأمر .

والجواب عن الأول : أنا أنا إن سلمنا أن النهي لا يدل على الفساد ، لكن الفرق بينه وبين الأمر أن نقول : النهي يدل على منعه من فعله ، وذلك لا ينافي أن نقول : إنك لو أتيت به لجعلته لجعلته سببا لحكم آخر ، أما الأمر فلا دلالة فيه إلا على اقتضائه المأمور به مرة واحدة ، فإذا أتى به فقد أتى بتمام المقتضى فوجب أن لا يبقى يبقى الأمر بعد ذلك مقتضيا لشيء .

وعن الثاني : أن تلك الأفعال مجزئة مجزئة بالنسبة إلى الأمر الوارد بإتمامها ، وغير مجزئة بالنسبة إلى الأمر الأول ; لأن الأمر الأول اقتضى إيقاع المأمور به ، لا على حد الوجه الذي وقع به على وجه آخر ، وذلك الوجه لم يوجد .

وعن الثالث : أن الإتيان بتمام المأمور به يوجب أن لا يبقى يبقى الأمر مقتضيا بعد ذلك ، وذلك هو المراد بالإجزاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية