صفحة جزء
[ ص: 414 ] 145 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في النهي عن اتخاذ الغرف وما روي عنه في إباحة ذلك

955 - حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن أبي العالية { عن العباس بن عبد المطلب أنه بنى غرفة ، فقال له النبي عليه السلام : ألقها ، فقال : أنا أنفق مثل ثمنها في سبيل الله ، فرد النبي عليه السلام عليه ثلاث مرات ، ورد العباس على النبي عليه السلام ثلاث مرات ، كل ذلك يقول له : ألقها ، ويقول العباس : أنفق مثل ثمنها في سبيل الله } .

ففي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بإلقاء الغرفة التي ابتناها ، فاحتمل أن يكون ذلك منه كراهية منه لاتخاذ الغرف التي يستعلى منها على منازل الناس لقصر منازلهم ، واحتمل أن يكون ذلك لكراهة البنيان الذي لا يحتاج إليه علوا كان أو سفلا .

فتأملنا ما قد روي عنه عليه السلام سوى هذا الحديث في هذا المعنى .

[ ص: 415 ]

956 - فوجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا عثمان بن حكيم ، حدثني إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي ، عن أبي طلحة الأسدي .

عن أنس بن مالك أن رسول الله عليه السلام خرج فرأى قبة مشرفة فقال : ما هذه ؟ فقال له أصحابه : هذه لرجل من الأنصار فسكت ، وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس أعرض عنه ، صنع ذلك به مرارا حتى عرف الغضب والإعراض عنه شكا ذلك إلى أصحابه ، فقال : والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما حدث لي وما صنعت ؟ قالوا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى قبتك ، فسأل : لمن هي ؟ فأخبرناه ، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يرها ، فقال : ما فعلت القبة التي كانت هاهنا ، قالوا : شكا إلينا صاحبك إعراضك عنه ، فأخبرناه فهدمها ، فقال : أما إن كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا إلا ما لا } .

[ ص: 416 ] فدل ما في هذا الحديث على أن الكراهة المروية فيه إنما هي في نفس البنيان لا للمعنيين اللذين ذكرنا احتمال الحديثين الأولين لهما وكان في هذا الحديث : { إلا ما لا إلا ما لا } ، فدل ذلك أنه لم يرد عليه السلام بما في هذا الحديث الثاني كل البناء ، وإنما أراد به خاصا منه .

فتأملنا ما روي عنه عليه السلام سوى ذلك في هذا المعنى .

957 - فوجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ الجهني ، عن أبيه ، عن النبي عليه السلام قال : { من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان أجره جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن تبارك وتعالى } .

فدل ما في هذا الحديث على إباحة ابتناء ما ينتفع به أحد من خلق الرحمن في غير ظلم ولا اعتداء وكان هو المستثنى مما في [ ص: 417 ] الحديث الثاني ، والله أعلم .

وتأملنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتخاذ الغرف مع البناء الحامل لها .

958 - فوجدنا بكار بن قتيبة ويزيد بن سنان قد حدثانا قالا : حدثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي ، حدثنا عكرمة بن عمار العجلي ، عن أبي زميل قال : حدثني ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : { لما اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، فأتيت حفصة فقلت لها : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : هو في خزانته في المشربة ، فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر عليه ، فناديت يا رباح يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل لي شيئا ، فقلت : يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل مثل ذلك ولم يقل شيئا ، فرفعت صوتي فقلت : يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة ، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ، ورفعت صوتي ، فأومأ إلي بيده أن ادفعه ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير فذكر قصة الظهار ، قال : ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت أتشبث بالجذع [ ص: 418 ] ونزل كأنما يمشي على الأرض } .

959 - ووجدنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ وفهدا قد حدثانا قالا : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، حدثنا شعبة ، عن الفرات القزاز ، عن أبي الطفيل ، عن أبي سريحة قال : { أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة فقال : ما تذكرون وما تقولون ، قال : قلنا : يا رسول الله الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ويأجوج ومأجوج ، والدابة ، والدخان ، والدجال ، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونار تخرج من قعر عدن تقيل معهم إذا قالوا وتروح معهم إذا راحوا } .

960 - ووجدنا الحسن بن نصر قد حدثنا قال : حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن فرات القزاز ، عن أبي الطفيل ، [ ص: 419 ] عن حذيفة بن أسيد قال : { أشرف علينا رسول الله عليه السلام فقال : لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات } ، ثم حكى الآيات التي في الحديث الذي قبل هذا غير أنه لم يقل فيه تقيل معهم إذا قالوا ... إلى آخر الحديث .

961 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا قال : حدثنا عبيد بن إسحاق العطار الكوفي ، حدثنا زهير بن معاوية ، عن فرات القزاز ، حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة { عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة ، وكان من أصحاب الشجرة ، قال : كنا في ظل حائط في مشربة لعائشة أم المؤمنين ونحن نذكر الساعة ... } ، ثم ذكر مثل الحديث الأول سواء ، وقال فيه : تسوق الناس تروحهم ، فإذا استراحوا ساقتهم إلى أرض بيضاء لم يعمل عليها خطيئة .

962 - ووجدنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي قد حدثنا قال : حدثنا الهيثم بن جميل قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن فرات ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة ... ثم ذكر مثله غير أنه قال : { حتى يكون عشر آيات أولها طلوع الشمس من مغربها } ثم ذكر بقية الآيات غير أنه قال : { ونار تخرج من اليمن من قعر عدن تسوق إلى المحشر } ، ولم يذكر منه ما بعد ذلك .

[ ص: 420 ] قال أبو جعفر : والمشربة هي الغرفة ، فدل ما ذكرنا أن لا تضاد في شيء من ما رويناه في هذا الباب من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رويناها عنه فيه ، وأن اتخاذ الغرف وما سواها من الأسافل في غير ظلم ولا اعتداء من ما ينتفع به مباح غير محظور ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية