1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطع المسلمين نخل بني النضير وتحريقها
صفحة جزء
[ ص: 140 ] 172 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قطع المسلمين نخل بني النضير وتحريقها ، وفي السبب الذي فيه نزلت : ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها

1108 - حدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق قالا : حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن سفيان ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرق .

1109 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير وقطع ، وهي البويرة ، ولها يقول حسان بن ثابت :

وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

[ ص: 141 ] قال الله تعالى :
ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين
.

[ ص: 142 ]

1110 - حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا يحيى بن حماد قال : حدثنا جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير ، ولها يقول حسان بن ثابت :

وهان على سراة بني لؤي     حريق بالبويرة مستطير

فأجاب أبو سفيان بن الحارث :

أدام الله ذلك من صنيع     وحرق في نواحيها السعير

قال أبو جعفر : فقال قائل : في حديث يونس الذي رويته من هذه الأحاديث ما قد دل أن نزول قوله عز وجل : ما قطعتم من لينة ، الآية - إنما كان ذلك بعد أن كان منهم من القطع والتحريق ما كان ، وهذا يدل على أن هذا الحديث محال ؛ لأن الله عز وجل لا ينزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - شيئا إلا ما يفيد به أمته ، يعني ليستعملوه في فرائضه [ ص: 143 ] عليهم وفي تعبده إياهم .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن هذا الحديث لم يستوعب السبب الذي كان فيه نزول هذه الآية ، وأنه قد كان من المسلمين قبل نزولها ما كان من نزولها فيه عليهم أكبر الفائدة ، ولم نجده إلا في حديث يروى عن عبد الله بن عباس .

1111 - كما حدثنا أحمد بن شعيب بن علي قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، عن عفان قال : حدثنا حفص بن غياث قال : حدثنا حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله جل وعز : ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها . قال : اللينة النخل وليخزي الفاسقين قال : استنزلوهم من حصونهم ، وأمروا بقطع النخل ، فحك في صدورهم ، فقال المسلمون : قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا ، فلنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وما علينا فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله جل وعز : ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها . الآية .

قال الحسن بن محمد : كان عفان يحدثنا بهذا الحديث عن عبد الواحد ، عن حبيب ثم رجع فحدثنا به عن حفص .

[ ص: 144 ] قال أبو جعفر : فعقلنا بذلك أن هذه الآية أنزلها الله عز وجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعلم بها المسلمون أن الذي كان من قطعهم لما قطعوا من نخل بني النضير وتحريقها مباح لهم لا إثم عليهم فيه ، وأن الذي تركوه منها فلم يقطعوه ولم يحرقوه مباح لهم لا إثم عليهم فيه ، فبان بذلك موضع الفائدة في نزول هذه الآية .

وقال قائل آخر : قد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيما كان تقدم به إلى أمراء الأجناد لما وجههم إلى الشام ما يدل على خلاف ما في هذه الأحاديث ، عن ابن عمر وابن عباس .

وذكر ما حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : حدثني سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما بعث أمراء الجنود نحو الشام : يزيد بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة - قال : أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، اغزوا في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ؛ فإن الله ناصر دينه ، ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تجبنوا ولا تفسدوا في الأرض ، ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنها ، ولا تعقروا بهيمة ولا شجرة تثمر ولا تهدموا بيعة .

[ ص: 145 ] [ ص: 146 ] قال هذا القائل : فأبو بكر رضي الله عنه قد قرأ هذه الآية ، وقد قرأها أمراء الأجناد الذين تقدم إليهم بما تقدم إليهم به في هذا الحديث ، وكان ما تقدم إليهم به من ذلك بحضرة سواهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين قرؤوا هذه الآية أيضا ، وكان في ذلك ما قد دل على أن هذه الآية لم تكن نزلت في المعنى المذكور في حديثي ابن عمر وابن عباس ، أن نزولها كان فيه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أن الذي في ذينك الحديثين من السبب الذي كان فيه نزول هذه الآية كما فيهما ، وأن [ ما ] في حديث أبي بكر رضي الله عنه هذا غير مخالف لذلك ؛ لأنه قد كان على علم من عود الشام إلى أيديهم ، ومن فتحهم لها ، ومن غلبتهم الروم عليها بما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمهم إياه من ذلك .

1112 - حدثنا يونس قال : أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكا حدثه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن سفيان بن أبي زهير قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تفتح اليمن ، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون .

[ ص: 147 ]

1113 - وكما حدثنا أبو أمية حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن سفيان بن أبي زهير ثم ذكر هذا الحديث .

غير أنه قال : ثم تفتح العراق ، وزاد : قال عبد الله بن الزبير : ثم بلغني أن سفيان بالموسم ، فأتيته فسألته عن هذا الحديث ، فقال : أشهد لسمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أعاده عنه كما حدثني .

1114 - وكما حدثنا محمد بن سنان الشيزري قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا يحيى بن حمزة قال : حدثنا نصر بن علقمة ، عن جبير بن نفير ، عن عبد الله بن حوالة قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشيء ، فقال : أبشروا ! فوالله لأنا وكثرة الشيء أخوف عليكم من قلته ، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح لكم أرض فارس والروم وأرض حمير ، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة : جند بالشام ، وجند بالعراق ، وجند باليمن . وحتى يعطى الرجل المائة الدينار فيسخطها .

قال ابن حوالة : فقلت : يا رسول الله ، من يستطيع الشام وبها الروم ذوات القرون ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله ليستخلفنكم الله فيها حتى تظل العصابة منهم البيض قمصهم المحلقة أقفاؤهم [ ص: 148 ] قياما على الرجل الأسود منكم المحلوق ، وإن بها اليوم رجالا لأنتم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل .

قال ابن حوالة : فقلت : يا رسول الله ، خر لي إن أدركني ذلك ! قال : أختار لك الشام ؛ فإنها صفوة الله من بلاده ، والله يجتبي صفوته من عباده بأهل الإسلام . فعليكم بالشام ؛ فإن صفوة الله من الأرض الشام . فمن أبى فيسقي بغدر اليمن ؛ فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله
.

فسمعت عبد الرحمن بن جبير يقول : فعرف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي وكان ولي الأعاجم ، وكان أويدما قصيرا ، فكانوا يمرون وتلك الأعاجم قيام لا يأمرهم بالشيء إلا فعلوه ؛ يتعجبون من هذا الحديث .

[ ص: 149 ] قال أبو جعفر : فكان أمر أبي بكر رضي الله عنه أمراء الأجناد بما أمرهم به في حديثه الذي رويناه لهذا المعنى الذي في هذه الأحاديث ، ولما قد حضهم عليه من الصلاة بإيلياء ، ومن شد المطايا إليها مما تقدم ذكرنا له في كتابنا هذا ، ولما قد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله : ومنعت الشام مديها ودينارها ، أي أنها ستمنع مديها ودينارها الواجبين في أرضها وذلك لا يكون إلا بعد افتتاحهم إياها وغلبتهم عليها .

وسنذكر هذا الحديث فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية