1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لا صرورة في الإسلام
صفحة جزء
[ ص: 314 ] 200 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : لا صرورة في الإسلام

1282 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ابن جريج ، عن عمر بن عطاء - قال أبو جعفر : وهو ابن أبي الخوار - عن عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صرورة في الإسلام .

[ ص: 315 ] قال أبو جعفر : ولم نجد في هذا الباب حديثا متصل الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث ، فأما ما سواه من الأحاديث المروية فيها فمنها ما يروى عن ابن عباس مما لا يتجاوز به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فمن ذلك ما حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا محمد بن شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صرورة في الإسلام ؛ إنه كان الرجل في الجاهلية يلطم وجه الرجل ، ويقول : إنه صرورة . فقيل لعكرمة : وما الصرورة ؟ قال : يقولون : الذي لم يحج ، ولم يعتمر .

1283 - ومنه ما قد حدثنا روح بن الفرج قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ولم يذكر ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صرورة في الإسلام .

قال سفيان : كان أهل الجاهلية يقولون للرجل إذا لم يحج : هو صرورة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام .

[ ص: 316 ] ومنه ما قد حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي قال : حدثنا الفضل بن سهل الأعرج قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا محمد بن شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صرورة في الإسلام .

قال : كان الرجل يلطم وجه الرجل في الجاهلية ، ثم يقول : إني صرورة . فيقال : ذروا صرورة وجهله ، ولو ألقى سلاحه في رحله . قلت لعكرمة : وما الصرورة ؟ قال : الذي لم يحج ولم يعتمر ، أو قال : ولم يضح
، أو كما قال .

ومنه ما يروى موقوفا ، عن عكرمة غير متجاوز به إلى ابن عباس كما .

حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة قال : كان يكره أن يقال : صرورة .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث لنقف على الصرورة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكون في الإسلام ؛ ما هي ؟ فوجدنا في حديث فهد ، عن أبي نعيم الذي قد رويناه في هذا الباب من كلام ابن عباس أن الرجل كان في الجاهلية يلطم وجه الرجل ، ويقول : إنه صرورة . [ ص: 317 ] فاحتمل أن يكون الملطوم هو الصرورة ؛ لأنه لم يحج ولم يعتمر ، واحتمل أن اللاطم هو الصرورة ، فيعذر في ذلك لجهله الذي من أجله لم يحج ولم يعتمر .

فأردنا أن نقف على حقيقة ذلك فوجدنا في حديث إسحاق بن إبراهيم بن يونس ما قد دل أن اللاطم هو المراد في ذلك لا الملطوم .

1284 - وأجاز لنا هارون بن محمد العسقلاني ما ذكر لنا أن الغلابي حدثه إياه قال : حدثنا مصعب بن عبد الله يعني : الزبيري قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال : كان الرجل يلطم الرجل في الجاهلية فيقول : أنا صرورة فيقال : دعوا الصرورة بجهله ، وإن رمى بجعره في رحله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام . فكان في ذلك تحقيق ما ذكرنا .

ثم احتجنا أن نقف على إباحة هذا الاسم واستعماله في من لم يحج أو في كراهته ، والنهي عن استعماله ، فوجدنا في حديث صالح بن عبد الرحمن الذي قد رويناه في هذا الباب قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام . فاحتمل أن يكون ذلك يراد به النهي عن هذا القول في الإسلام ، واحتمل أن يكون يراد به أن لا يبقى في الإسلام أحد حتى يحج ، فيكون في ذلك انقطاع هذا الاسم عن الناس جميعا في الإسلام .

فتأملنا ذلك ، فوجدنا الرجل قد يعجز عن الحج إما لزمانة في [ ص: 318 ] بدنه ، وإما لقلة في ذات يده ، ولا يحج من أجل ذلك ، فيكون من حمل معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام - أنه يدخل فيه ذلك كان ذلك بعيدا ؛ لأن ذلك المتخلف عن الحج لم يكن مختارا لذلك ، وإنما كان تخلفه عجزا لما قد ذكرنا ، فاستحال أن يكون مذموما بذلك أو يكون هذا الاسم الذي قد ذكرنا مما أريد به ذم من يسمى به يلزمه .

ولما بطل هذا التأويل عقلنا أن المراد به هو أن لا يقال هذا القول لأحد ، وقد روينا ذلك في هذا الباب في حديث ابن خزيمة ، عن حجاج ، عن حماد ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة أنه كره أن يقال : صرورة . وقد روينا ذلك أيضا عن ابن مسعود منقطعا مما لم يتقدم ذكرنا له في هذا الباب .

كما حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله : لا يقولن أحدكم : إني صرورة ؛ فإن المسلم ليس بصرورة .

[ ص: 319 ] وقد روي مثل ذلك أيضا عن عامر الشعبي .

كما حدثنا يوسف قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن بشر أبي إسماعيل قال : قلت لعامر : الصرورة ؟ فقال : أي شيء الصرورة ؟ ليس الصرورة شيئا . قال أبو جعفر : وهذا أولى عندنا ؛ لأن الصرورة في كلام العرب هو الصر على شيء ، ومنه قوله جل وعز : ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون .

فمن كان تخلفه عن الحج ليس لإصراره على أن لا يحج ، وإنما هو لعجز أو لما أشبهه مما يسقط به فرض الحج عنه - فليس صاحبه بمصر الإصرار المذموم ، وإذا لم يكن مصرا لم يكن صرورة .

فأما عطاء بن أبي رباح فقد روي عنه إباحة هذا القول .

كما حدثنا يوسف قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج قال : كان عطاء يقال له : الصرورة . فلا ينكره . قال أبو جعفر : وكان ما ذكرناه من كراهة هذا القول أولى عندنا ؛ لأنه وصف بحال مذمومة . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية