1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في استغفاره يوم الحديبية للمحلقين مرتين وللمقصرين مرة
صفحة جزء
[ ص: 390 ] 213 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في استغفاره يوم الحديبية للمحلقين مرتين وللمقصرين مرة

1362 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم ارحم المحلقين ! قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : اللهم ارحم المحلقين ! قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين .

1363 - حدثنا فهد قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اغفر للمحلقين ! قيل : والمقصرين ؟ قال : اللهم اغفر للمحلقين ! قيل : والمقصرين ؟ قال : والمقصرين .

[ ص: 391 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغفر للمحلقين مرتين وللمقصرين مرة . قال قائل : قد أباح الله عز وجل في كتابه الحلق والتقصير في الإحرام ، ووصف أهل الحديبية بدخولهم المسجد الحرام عليه ووعدهم ذلك فقال : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون . فكان "المحلقين" بأمر الله حلقوا ، والمقصرين" بأمر الله قصروا - فمن أين فضل المحلقون في ذلك على المقصرين ؟

قيل له : لمعنى قد روي عن عبد الله بن عباس فيه .

1364 - وهو ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يرحم الله المحلقين ! قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : يرحم الله المحلقين ! قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : يرحم الله المحلقين ! قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : والمقصرين . قالوا : فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم ؟ قال : إنهم لم يشكوا .

[ ص: 392 ]

1365 - وما قد حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا يوسف بن بهلول قال : حدثنا عبد الله بن إدريس قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1366 - - [ وما قد حدثنا ] إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قلت لابن عباس : لم ظاهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ؟ قال : لأنهم لم يشكوا .

فكان فيما روينا تفضيل المحلقين على المقصرين ؛ لأنهم لم [ ص: 393 ] يشكوا ، فكان في ذلك إثبات الشك من المقصرين .

فقال هذا القائل : وما كان شك المقصرين في ذلك ؟ قيل له : كان لمعنى ذكره جابر بن عبد الله .

1367 - وهو ما قد حدثنا عبيد بن رجال قال : حدثنا محمد بن يوسف أبو حمة قال : حدثنا أبو قرة موسى بن طارق ، عن زمعة بن صالح ، عن زياد بن سعد ، عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية وحلق ناس كثير من أصحابه حين رأوه حلق ، وأمسك آخرون فقالوا : والله ما طفنا بالبيت ، فقصروا .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يرحم الله المحلقين ! فقال رجال : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين ! فقال رجال : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين ! قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين
.

فكان في هذا الحديث أنه كان في قلوبهم أنهم رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلق في غير موضع الحلق الذي كانوا يعلمون الحلق فيه ، ويقفون عليه من شريعته ، وقد كان يجب عليهم أن يكون اقتداؤهم واتباعهم له فيما رأوه يفعله أوثق في قلوبهم مما تقدم علمهم له منه قبل ذلك ، وكانوا بذلك مقصرين في الواجب له عليهم - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .

وكان [ ص: 394 ] الحالقون فاعلين لما يجب عليهم من امتثال فعله ، وترك التخلف عن القدوة به ، ففضلوا بذلك من تخلف عن مثله لا لفضل في الحلق على التقصير ، ولكن ؛ لأن السبق إلى المعرفة للأشياء يوجب الفضيلة للسابقين إليها كما وجب لأبي بكر رضي الله عنه بسبقه الناس إلى تصديقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إتيانه بيت المقدس من مكة ورجوعه منه إلى منزله بمكة في تلك الليلة حتى سمي بذلك الصديق وإن كان [ ص: 395 ] المؤمنون جميعا يشهدون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك إذا وقفوا عليه .

وكما استحق خزيمة بن ثابت الأنصاري أن جعلت شهادته شهادة رجلين ؛ لما شهد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأعرابي أنه بايعه البعير الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتاعه منه عند جحود الأعرابي ذلك . وعند قوله له : هلم شهيدا يشهد لك . فلما شهد له خزيمة بما شهد له به قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف شهدت ولم تكن معنا ؟ قال : شهدت بتصديقك . فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك شهادته بشهادة رجلين .

وسنذكر هذا الحديث بإسناده فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله . والناس جميعا يشهدون بصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن خزيمة لما سبقهم إلى ذلك استحق الفضيلة عليهم فيه .

فمثل ذلك المحلقون استحقوا الفضيلة على المقصرين بسبقهم إياهم إلى طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقتدائهم به ، وأخذهم ما آتاهم إياه ، وانتفاء الشك من قلوبهم في ذلك ، وعلمهم أن ما عاينوا منه أولى بهم مما قد تقدم علمهم له منه مع أنا قد روينا أن المقصرين في ذلك إنما هما رجلان : أحدهما من قريش ، والآخر من الأنصار .

1368 - كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا هارون بن إسماعيل الخزاز قال : حدثنا علي بن المبارك قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير أن أبا إبراهيم حدثه [ ص: 396 ] عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية حلق ، وحلق أصحابه رؤوسهم غير رجلين : رجل من الأنصار ، ورجل من قريش .

قال أبو جعفر : ولم نجد هذا التبيان في حديث أحد ممن روى هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير غير علي بن المبارك . فأما الأوزاعي فلم يذكر ذلك في حديثه هذا ، عن يحيى .

1369 - كما حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي إبراهيم الأنصاري قال : حدثنا أبو سعيد الخدري قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يستغفر يوم الحديبية للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة .

قال أبو جعفر : وليس علي بن المبارك بدون الأوزاعي ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية