1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يفعل على المزاح مما يروع المفعول به
صفحة جزء
[ ص: 304 ] 265 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يفعل على المزاح مما يروع المفعول به ، هل هو مباح لفاعله أو محظور عليه ؟

1620 - حدثنا علي بن معبد وأبو أمية جميعا ، قالا : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا زمعة بن صالح ، قال سمعت ابن شهاب يحدث ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أم سلمة ، { أن أبا بكر رضي الله عنه خرج تاجرا إلى بصرى ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة ، وكان سويبط على الزاد فجاءه نعيمان ، فقال : أطعمني . قال : لا ، حتى يأتي أبو بكر ، وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا ، فقال : لأغيظنك .

فذهب إلى أناس جلبوا ظهرا ، فقال : ابتاعوا مني غلاما عربيا فارها ، وهو رعاد ولسان ، ولعله يقول : أنا حر ، فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لي ، لا تفسدوا علي غلامي ، فقالوا : بل نبتاعه منك بعشرة قلائص ، فأقبل بها يسوقها ، وأقبل بالقوم حتى عقلها ، ثم قال : دونكم هذا ، فجاء القوم ، فقالوا : قد اشتريناك ، فقال سويبط : هو كاذب ، أنا رجل حر . قالوا : قد أخبرنا خبرك ، فطرحوا الحبل في عنقه وأخذوه ، فذهبوا به ، فجاء أبو بكر ، فذهب هو وأصحاب [ ص: 305 ] له ، فرد القلائص وأخذوه ، قال : فضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا
} .

فقال قائل : في هذا الحديث ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، مما ذكر فيه مما فعله نعيمان بسويبط حولا .

ففي ذلك دليل على إباحة ترويع المسلم المسلم على المزاح بمثل هذا .

قال هذا القائل : ومثل هذا ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث .

1621 - فذكر ما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن عمر بن الحكم ، [ ص: 306 ] عن أبي سعيد الخدري ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل علقمة بن مجزز المدلجي على خيبر ، فبعث سرية ، واستعمل عليها عبد الله بن حذافة السهمي - وكان رجلا فيه دعابة وبين أيديهم نار قد أججت - فقال لأصحابه : أليس طاعتي عليكم واجبة . قالوا : بلى . قال : فقوموا فاقتحموا هذه النار ، فقام رجل حتى يدخلها ، فضحك ، وقال : إنما كنت ألعب .

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضحك ، فقال : أما إذا قد فعلوا هذا فلا تطيعوهم في معصية الله عز وجل
} .

1622 - وما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن عمرو ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : علقمة بن محزز بالحاء .

قال : ففي هذا الحديث أيضا مثل ما في الحديث الأول ، ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاعله ، ففي ذلك ما قد دل على إباحة مثله على المزاح .

[ ص: 307 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أنه ليس في شيء من هذين الحديثين إباحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر فيهما أن يفعل مثله أحد بأحد ، وإنما في الحديث الأول منهما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك الفعل حولا .

كمثل ما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحدثون بأمور الجاهلية ، فيضحك أصحابه من ذلك بمحضره من غير نهي منه إياهم عن ذلك ، وإن كانت تلك الأفعال ليس بمباح لهم فعل مثلها في الإسلام .

1623 - كما قد حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : أخبرنا شريك بن عبد الله ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة ، قال : { جالست النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكثر من مائة مرة ، فكان أصحابه يتناشدون الشعر ، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية ، فربما يتبسم معهم } .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنع من ترويع المسلم .

1624 - ما قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن عبد الله بن السائب بن يزيد ، عن أبيه ، عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يأخذ أحدكم متاع [ ص: 308 ] صاحبه لاعبا ، وإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه } .

قال أبو جعفر : والسائب أبو عبد الله بن السائب هذا هو السائب بن يزيد الكندي أحد بني عمرو بن معاوية حليف في قريش ، وهو ابن أخت النمر .

فقال قائل : فما الدليل على نسخ أحد هذين المعنيين بالآخر منهما ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الدليل على المنسوخ منه .

1625 - ما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، قال : حدثنا فطر بن خليفة ، عن عبد الله بن يسار الجهني [ ص: 309 ] عن أبي ليلى الأنصاري ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فأخذ بعض أصحابه كنانة رجل ، فغيبوها ليمزحوا معه ، فطلبها الرجل ، ففقدها ، فراعه ذلك ، فجعلوا يضحكون منه ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أضحككم ؟ قالوا : لا والله ، إلا أنا أخذنا كنانة فلان لنمزح معه ، فراعه ذلك ، فذلك الذي أضحكنا .

، فقال : لا يحل لمسلم أن يروع مسلما
} .

ففي هذا الحديث ذكر ما فعله الرجل المذكور فيه من أخذ كنانة صاحبه ليرتاع بفقدها على ، أن ذلك عنده مباح له ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ، فكان قوله ذلك له بعد فعله ما فعله ، مما هو من جنس ما كان فعله نعيمان بسويبط ، وما كان فعله عبد الله بن حذافة في حديث علقمة المدلجي بأصحابه ليضحكوا من ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في حديث أبي ليلى لفاعل [ ص: 310 ] ما ذكر فعله إياه فيه : { لا يحل لمسلم أن يروع مسلما } ، فكان ذلك تحريما منه لمثل ذلك ، ونسخا لما كان قد تقدمه ، مما ذكرناه في هذا الباب ، مما تعلق به من تعلق ممن يذهب إلى إباحة مثله إن كان مباحا حينئذ ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية