1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما خاطب به قيصرا في كتابه إليه من قوله أسلم يؤتك الله أجرك مرتين
صفحة جزء
[ ص: 229 ] 319 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما خاطب به قيصرا في كتابه إليه من قوله أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين .

1977 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة الرعيني ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره ، قال :

أخبرني أبو سفيان بن حرب بن أمية من فيه إلى في : أن هرقل دعا لهم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ، فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام : أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين و أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلى [ ص: 230 ] قوله بأنا مسلمون ، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده ، وكثر اللغط ، فأمر بنا فأخرجنا فقلت لأصحابي : لقد عظم أمر ابن أبي كبشة ، إنه ليخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله عز وجل علي الإسلام .

1978 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا موسى بن هارون البردي ، قال : حدثنا محمد بن حرب الأبرش ، قال : حدثنا الزبيدي ، عن الزهري … ثم ذكر بإسناده مثله .

1979 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، والليث بن عبدة قالا : حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1980 - حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري … ثم ذكر [ ص: 231 ] بإسناده مثله

قال أبو جعفر : فاحتجنا أن نعلم من الأريسيون المذكورون في هذه الآثار ، فوجدنا أبا عبيد قد قال في كتابه الذي سماه كتاب الأموال مما كتب به إلي علي بن عبد العزيز يحدثنيه به عنه ، قال : هم الخدم والخولة ، قال أبو جعفر : كأنه يعني أنه يكون عليه إثمهم لصده إياهم عن الإسلام بملكته لهم ورياسته عليهم ، كمثل ما حكى الله عز وجل عمن يقول يوم القيامة : ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ، وكمثل قول سحرة فرعون لفرعون لما قامت عليهم الحجة لموسى صلى الله عليه وسلم من الآية المعجزة التي جاءهم بها من عند الله مما لا يجيء من السحر مثله وما أكرهتنا عليه من السحر أي : استعملتنا فيه وأجريتنا عليه ، قال أبو عبيد في هذه الرواية : وهكذا يقول أصحاب الحديث ، يعني : ما يقولونه من الأريسيين والصحيح الأريسين .

قال أبو جعفر : وهذا عندنا بخلاف ما قال أبو عبيد ؛ لأن ما قاله أصحاب الحديث مما حكاه عنهم هو على نسبته إياهم إلى رئيس لهم [ ص: 232 ] يقال له أريس ، فيقال في جره ونصبه الأريسيين ، ويقال في رفعه الأريسيون ، كما يقال للقوم إذا كانوا منسوبين إلى رجل يقال له يعقوب : اليعقوبيين في نصب ذلك وفي جره وتقول في رفعه هؤلاء اليعقوبيون ، فمثل ذلك فيما ذكرنا الأريسيين والأريسيون ، وإذا أردت بذلك الجمع للأعداد لا الإضافة إلى رجل يقال له : يعقوب قلت في الجر والنصب : اليعقوبين ، وقلت في الرفع : اليعقوبون ، فبان بحمد الله ونعمته أن أصحاب الحديث لم يخطئوا فيما ادعى عليهم أبو عبيد الخطأ فيه ، وأنهم قالوا محتملا لما قالوه والله عز وجل أعلم بحقيقة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

وقد ذكر بعض أهل المعرفة بهذه المعاني أن في رهط هرقل فرقة تعرف بالأروسية توحد الله عز وجل ، وتعترف بعبودية المسيح صلى الله عليه وسلم له عز وجل ، ولا تقول فيه شيئا مما تقوله النصارى في ربوبيته ، ومن بنوة ، وأنها متمسكة بدين المسيح صلى الله عليه وسلم مؤمنة بما في إنجيله جاحدة لما تقوله النصارى سوى ذلك ، وإذا كان ذلك كذلك جاز أن يقال لهذه الفرقة : الأريسيون في الرفع والأريسيين في النصب والجر كما ذهب إليه أصحاب الحديث ، وجاز بذلك أن تكون هذه الفرقة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عياض بن حمار الذي قد رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب من كتابنا هذا ، وجاز أن يكون قيصر كان حين كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بما كتب إليه على مثل ما هي عليه ، فجاز بذلك [ ص: 233 ] إذا اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ودخل في دينه أن يؤتيه الله أجره مرتين ، وجاز أن تكون هذه الفرقة علمت بمكان النبي صلى الله عليه وسلم وبدينه قبل أن يعلمه قيصر ، فلم يتبعوه ولم يدخلوا فيه ، ولم يقروا بنبوته وفي كتاب عيسى صلى الله عليه وسلم بشارته به كما قد حكى الله عز وجل في كتابه وهو قوله عز وجل : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فخرجوا بذلك من دين عيسى صلى الله عليه وسلم لأن عيسى صلى الله عليه وسلم الذي يؤمن به هو عيسى الذي بشر بأحمد لا عيسى سواه . فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر : إنك إن توليت فعليك إثم الأريسيين الذين خرجوا من ملة عيسى صلى الله عليه وسلم.

فقال هذا القائل : وكيف يكون عليه إثم غيره ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الإثم الذي يكون عليه إن تولى إنما هو مثل إثم الأريسيين لا إثم الأريسيين بعينه ، وهذا كمثل قوله عز وجل : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، ليس أنه يكون عليهن شيء من العذاب الذي يكون على المحصنات ، ولكنه مثل نصف العذاب الذي يكون على المحصنات ، فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فإن توليت فعليك إثم الأريسيين ، إنما هو بمعنى قوله : فعليك مثل إثم الأريسيين ، فقال هذا القائل : فقد رويت لنا فيما تقدم من كتابك هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، وقوله مع ذلك فإني [ ص: 234 ] أخاف أن يناله العدو ، وفيما رويته في هذا الحديث كتابه إلى قيصر بشيء من القرآن مما يقع في يده بعد وصول كتابه إليه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن هذا ليس بخلاف لنهيه أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو خوف أن يناله العدو ، وإنما هذا على السفر ببعضه إلى العدو وما قبله على السفر بكله إلى العدو ، فتصحيحها إباحة السفر بالأحراز التي فيها من القرآن ما يكون في أمثالها والكراهة للسفر بكليته إليهم عنهم عند خوفهم عليه والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية