1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل
صفحة جزء
[ ص: 231 ] 388 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل وفي وجوب الاقتصار على ذلك ، وفيما روي عنه مما يوجب خلاف ذلك وفي الأولى منهما ما هو

2443 - حدثنا يونس قال : حدثنا عبد الله بن يوسف قال : حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب قال : حدثني بكير بن الأشج ، وحدثنا الربيع المرادي قال : حدثنا شعيب بن الليث قال : حدثنا الليث ، عن يزيد ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبي بردة بن نيار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله .

[ ص: 232 ] قال أبو جعفر : فلم يذكر الليث عن يزيد في هذا الحديث بين عبد الرحمن بن جابر وبين أبي بردة أحدا ، وقد ذكر غيره بينهما أباه جابرا .

2444 - كما حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرني محمد بن وهب بن أبي كريمة قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، قال : حدثني زيد بن أبي أنيسة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكر بن عبد الله ، عن سليمان بن يسار قال : بينا أنا عند سليمان إذ جاءه عبد الرحمن بن جابر فحدث سليمان ، ثم أقبل عليهم سليمان فقال : حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا جلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله عز وجل .

[ ص: 233 ] وقد وافق زيدا على ما روى من ذلك زيادة على ما رواه الليث فيه : أسامة بن زيد الليثي وعمرو بن الحارث الأنصاري ، فروياه عن بكير كذلك .

2445 - كما حدثنا صالح بن حكيم النصري التمار أبو شعيب قال : حدثنا أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أسامة بن زيد ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه ، عن أبي بردة بن نيار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لرجل أن يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله عز وجل .

2446 - وكما حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال : حدثني عمرو بن الحارث الأنصاري ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج قال : كنت عند سليمان بن يسار إذ جاءه عبد الرحمن بن جابر فحدث سليمان بن يسار ، ثم أقبل علينا سليمان بن يسار فقال : حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة بن نيار يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله عز وجل .

[ ص: 234 ] فقال قائل : هذا الحديث قد تركوه أهل العلم جميعا ؛ لأنهم لم يختلفوا في التعزير أن للإمام أن يتجاوز به عشرة أسواط ، وإنما يختلفون فيما لا يتجاوزه بعدها في ذلك ، فتقول طائفة منهم : لا يتجاوز به تسعة وثلاثين سوطا ، وممن قال ذلك : أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي ، وتقول طائفة منهم : لا يتجاوز خمسة وسبعين سوطا ، وممن قال ذلك منهم ابن أبي ليلى .

وتقول طائفة منهم : لا يتجاوز تسعة وسبعين سوطا ، وممن قال ذلك منهم أبو يوسف مرة .

وتقول طائفة منهم : إنه يتجاوز به إلى ما رأى وإن تجاوز ذلك أكثر الحدود التي حدها الله عز وجل لعباده على قدر الجرم وممن قال ذلك منهم : مالك بن أنس وأبو يوسف مرة ، وقال مرة أخرى القول الذي ذكرناه عنه ، وقال مرة أخرى بقول أبي حنيفة ، وفي ذلك ما قد دل على تركهم هذا الحديث ، فمن أين جاز لهم تركه ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن هؤلاء الذين ذكرنا من الفقهاء الذين سمينا وإن كانوا قد خالفوا ما في الحديث وتركوه ، فقد قال به من سواهم من فقهاء الأمصار ، وهو الليث بن سعد قال به مرة وتركه مرة أخرى ، وقال في قوله الذي قال به فيه يخالف بين العشرة على مقدار الجرم ، فإن كان غليظا غلظ في العشرة ، وإن كان خفيفا خفف فيها .

فقال هذا القائل : فهل للآخرين حجة في خلافهم هذا الحديث ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أن الحجة لهم في اتساع [ ص: 235 ] خلافهم له ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جلده في الخمر .

2447 - كما حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى القطان قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن الداناج ، عن حضين بن منذر الرقاشي أبي ساسان ، عن علي رضي الله عنه قال : جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين وأبو بكر رضي الله عنه أربعين وكملها عمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة .

2448 - وحدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، [ ص: 236 ] قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار الأنصاري قال : حدثنا عبد الله الداناج قال : حدثنا حضين بن المنذر الرقاشي قال : شهدت عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد أتي بالوليد بن عقبة ، وقد صلى بأهل الكوفة الصبح أربعا ، وقال : أزيدكم ؟ قال : فشهد عليه حمران ورجل آخر فشهد أحدهما أنه رآه يشربها ، وشهد الآخر أنه رآه يقيئها فقال عثمان : إنه لم يقئها حتى شربها ، فقال عثمان لعلي رضي الله عنهما : أقم عليه الحد . فقال علي رضي الله عنه لابنه الحسن : أقم عليه الحد ، فقال الحسن : ول حارها من تولى قارها . فقال علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد فأخذ السوط وجعل يجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين ثم قال : أمسك ، ثم قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم حد أربعين ، وجلد عمر ثمانين وكل سنة . قال علي رضي الله عنه : وهذا أحب إلي .

[ ص: 237 ] فكان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين فاحتمل أن يكون ذلك ؛ لأنه كان الحد في الخمر ، واحتمل أن يكون ذلك لا لأنه كان حدا فيها ، ولا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد في ذلك إلى جلد معلوم ، فنظرنا في ذلك .

فوجدنا سليمان بن شعيب قد حدثنا ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن مطرف ، عن عمير بن سعيد النخعي قال : قال علي رضي الله عنه : من شرب الخمر فجلدناه فمات وديناه ، لأنه شيء صنعناه .

2449 - ووجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال : حدثنا شريك ، عن أبي حصين ، عن عمير بن سعيد ، عن علي رضي الله عنه قال : ما حددت أحدا حدا فمات فيه [ ص: 238 ] فوجدت في نفسي شيئا إلا الخمر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيها شيئا .

فوقفنا بذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن جلد شارب الخمر على ما في حديث حضين عن علي رضي الله عنه أربعين قصدا منه إلى الأربعين ، ولكن قصدا منه إلى جلد لا توقيت فيه .

ودل على ذلك أيضا ما قد روي عن علي رضي الله عنه من غير هذه الجهة . كما حدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن أبي مروان ، عن أبيه قال : أتي علي بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان [ ص: 239 ] فضربه ثمانين ثم أمر به إلى السجن ، ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين ثم قال : إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في رمضان وجرأتك على الله عز وجل .

قال : فدل ذلك من تجاوز علي الأربعين إلى ما فوقها في الخمر أن الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في الجلد فيها لم يكن طلبا منه لعدد معلوم ، وفي ذلك ما قد دل على أنه لم يكن حدا وإنما كان تعزيرا .

وقد دل على ذلك أيضا ما قد رواه غير علي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .

[ ص: 240 ] فمنهم : عبد الرحمن بن أزهر .

2450 - كما حدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا أسامة بن زيد قال : حدثنا ابن شهاب قال : حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد ، فأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما في أيديهم ، ثم حثا عليه التراب ، ثم أتي أبو بكر رضي الله عنه بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين ، ثم أتي عمر رضي الله عنه بسكران فضربه أربعين .

[ ص: 241 ] أفلا ترى أن أبا بكر رضي الله عنه إنما كان ضرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين في ذلك على التحري لضرب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في مثله ، لا لأن ذلك الضرب كان مقصودا به إلى عدد معلوم .

ومنهم : أبو سعيد الخدري .

2451 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن أبي التياح ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد قال : لا أشرب نبيذ الجر بعد إذ أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشوان ، فقال : يا رسول الله ما شربت خمرا إنما شربت نبيذ تمر وزبيب في دباء ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فلهز بالأيدي وخفق بالنعال .

[ ص: 242 ]

2452 - وكما حدثنا محمد بن يحيى بن مطر قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا المسعودي ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق أو أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين ، فجعل عمر رضي الله عنه لكل نعل سوطا .

ومنهم : أبو هريرة .

2453 - كما قد حدثنا يونس قال : حدثنا أنس بن عياض ، عن [ ص: 243 ] يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشارب ، فقال : اضربوه فمنهم من ضربه بيده وبثوبه ونعله .

ومنهم عقبة بن الحارث .

2454 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا عفان ( ح ) وكما حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا سليمان بن حرب ، وكما حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا المعلى بن أسد قالوا : حدثنا وهيب ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عقبة بن الحارث قال : أتي بالنعيمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو سكران فشق على النبي صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة فأمر من كان في البيت أن يضربوه فضربوه بالنعال والجريد على عقبه ، وكنت فيمن ضربه [ ص: 244 ] غير أن ابن أبي داود قال في حديثه : بالنعيمان أو ابن النعيمان .

ومنهم أنس بن مالك رضي الله عنه .

2455 - كما حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش البصري قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، [ ص: 245 ] عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين ، فلما ولي عمر رضي الله عنه دعا الناس فقال : ما ترون في حد الخمر ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف : أرى أن تجعله كأخف الحدود وتجعل فيه ثمانين .

[ ص: 246 ]

2456 - وكما حدثنا فهد قال : حدثنا موسى بن داود قال : حدثنا همام ( ح ) وكما حدثنا الكيساني قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد قال : حدثنا شعبة قالا جميعا عن قتادة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر ، فأمر به فضرب بالجريد نحوا من أربعين ، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك ، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانين . ففعل ذلك .

[ ص: 247 ] قال أبو جعفر : أفلا ترى إلى ما قد رويناه عن علي من قوله في حد الخمر : إنه شيء صنعناه ، وما في حديث غيره من التحري المذكور فيه ، وفي ذلك ما قد دل أنه لم يكن في الخمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حد معلوم ، ولا من بعده حتى كان من أصحابه رضوان الله عليهم في ذلك ما كان منهم فيه .

وإذا كان الذي قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لم يكن حدا كان تعزيرا ، وفيه تجاوز العشرة إلى ما فوقها مما ذكر في تلك الأحاديث ، وفيها عن علي ما كان منه في النجاشي تعزير العشرين ، وفي ذلك ما قد تجاوز العشرة .

وفيما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل على أن للإمام أن يتجاوز العشرة في التعزير إلى ما فوقها مما يجوز أن يتجاوزها إليه ، وفي ذلك ما قد عارض حديث أبي بردة الذي ذكرنا وفي معارضته إياه ما قد تكافأ الحديثان ، إذ لا نعلم المنسوخ منهما من الناسخ ، فإذا تكافآ اتسع النظر للمختلفين في ذلك وطلب الأولى من ذينك المعنيين فوسعهم بذلك ترك حديث أبي بردة إلى خلافه مما قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقوبة في شرب الخمر ، بل لو قال قائل : إنه أولى من حديث أبي بردة لعمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده به ، فكان غير معنف في ذلك ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية