1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحسينه لعمرو بن العاص من صلاته بالناس جنبا عند خوفه الموت على نفسه من البرد إن اغتسل
صفحة جزء
[ ص: 248 ] 389 - باب : بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحسينه لعمرو بن العاص من صلاته بالناس جنبا عند خوفه الموت على نفسه من البرد إن اغتسل

2457 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال : أنبأنا ابن لهيعة ، عن ابن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير - قال أبو جعفر : وهو مولى نافع بن عبد عمرو القرشي - ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على جيش ذات السلاسل ، وفي الجيش نفر من المهاجرين والأنصار وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاحتلم عمرو بن العاص في ليلة شديدة البرد ، فأشفق أن يموت إن اغتسل فتوضأ ثم أم أصحابه ، فلما قدم تقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشكا عمرو بن العاص حتى قال : وأمنا جنبا فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر ، فلما قدم [ ص: 249 ] عمرو دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يخبر بما صنع في غزاته ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصليت جنبا يا عمرو ؟ فقال : نعم يا رسول الله أصابني احتلام في ليلة باردة لم يمر على وجهي مثلها قط ، فخيرت نفسي بين أن أغتسل فأموت أو أقبل رخصة الله عز وجل فقبلت رخصة الله عز وجل ، وعلمت أن الله عز وجل أرحم بي فتوضأت ، ثم صليت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسنت ما أحب أنك تركت شيئا صنعته لو كنت في القوم لصنعت كما صنعت .

[ ص: 250 ] قال أبو جعفر : فذهب بعض الناس ممن ينتحل الحديث في هذا إلى ما في هذا الحديث من استعمال الوضوء مكان التيمم ، وذهب إلى أنه في ذلك فوق التيمم ، وممن كان ذهب إلى ذلك ، منهم أحمد بن صالح .

قال أبو جعفر : فتأملنا نحن هذا الحديث وما قاله الذاهبون إليه أن الوضوء في هذه الحادثة عندهم فوق التيمم ، هل هو كما قالوا أم لا ؟

[ ص: 251 ] فوجدنا ذلك من قولهم فاسدا ؛ لأن الله عز وجل جعل الوضوء طهارة من الأحداث غير ما أوجب الاغتسال فيه منها وهو الجنابات ، وجعل الطهور من الجنابات الاغتسال ، ووجدنا الله عز وجل قد جعل التيمم بالصعيد عند عدم الماء بدلا من الوضوء للصلوات عند الحاجة إلى ذلك ، وجعله بدلا من الاغتسال من الجنابات .

فوقفنا بذلك على أن التيمم تكون به الطهارة من الجنابات ويكون كالغسل ، ويكون فوق الوضوء عند عدم وجود الماء .

ولما كان ذلك كذلك في الجنابات عند عدم الماء استحال بذلك أن يكون الوضوء الذي جعل طهارة من الأحداث التي دون الجنابات يكون طهورا من الجنابات في حال من الأحوال ؛ لأن الأشياء التي تكون أبدالا من الأشياء إنما هي غيرها لا جزء من أجزائها .

ثم التمسنا الوضوء الذي كان من عمرو عند حاجته إلى الغسل من الجنابة عند إعوازه الماء لم كان ذلك ؟ فوجدنا محتملا أن يكون كان منه ، ولا طهارة حينئذ عند عدم الماء بصعيد ولا بما سواه ، فكان الحكم عند ذلك جواز أدائه تلك الصلاة بلا اغتسال ؛ إذ كان في حكم من لا جنابة به توجب عليه الاغتسال إذ كان لا ماء معه يغتسل به فسقط عنه بذلك فرض الاغتسال ، وصار كهو لو لم يكن جنبا ، فأجزأ الوضوء كما يجزئ المستيقظ من نومه ولا جنابة به الوضوء ، وكما يجزئ من لا سترة معه أن لا يصلي عريانا لسقوط فرض السترة عنه .

وقد وجدنا من أفعال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 252 ] قبل فرض التيمم صلاتهم وهم محدثون على غير وضوء .

2458 - كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس الثعلبي الكوفي المعروف بالسوسي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناسا معه يطلبون قلادة نسيتها عائشة في منزل نزلناه فحضرت الصلاة ، فلم يجدوا ماء فصلوا بغير وضوء ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير : جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله عز وجل لك وللمسلمين فيه خيرا .

قال أبو جعفر : فكان ما فعله المسلمون حينئذ هو فرض الله عز وجل عليهم فيما يؤدون صلواتهم عليه ؛ لأنه لما سقط عنهم فرض الوضوء بالماء لإعوازهم الماء لها لم يسقط عنهم فرض الصلاة ، فكان الفرض عليهم أن يصلوها على ما عليه من الحدث الذي هم فيه .

وشد ذلك وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما فعلوا من ذلك ، فلم ينكره [ ص: 253 ] عليهم ، فكيف ينكره عليهم وهو فرضهم الذي مثله فرض من عجز عن الصلاة إلى الكعبة التي افترض الله - عز وجل - على الخلق أن يصلوا إليها أن يصلي إلى غيرها ، وكمثل ما ذكرنا في عدم اللباس الذي يواري العورة في الصلاة أن من نزل به ذلك أن يصلي مكشوف العورة ، فكان مثل ذلك من عدم الماء وهو جنب ، ولا بدل له يخرجه من الجنابة إلى الطهارة من صعيد ولا من غيره أن يصلي بلا اغتسال من الجنابة التي هو فيها ، ومثل ذلك إذا كان في جنابة في حين بارد يخاف إن اغتسل لها أن يموت من ذلك الاغتسال ، سقط عنه حكم الاغتسال لها ، وعاد بذلك حكمه إلى حكم من لا غسل عليه من الجنابة التي هي به ، ووجب عليه أن يصلي بجنابته التي لا طهارة عليه لها ، كما يصليها لو اغتسل لها .

فهذا هو المعنى الذي استعمله عمرو بن العاص في هذا الحديث ، وحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، وكان من وضوءه ذلك ليس بطهور من الجنابة ، ولكنه طهور للنوم الذي استيقظ منه .

فأما الحكم فيما بعد الوقت الذي كان من عمرو فيه ما كان مما حسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزلت الرخصة في التيمم بالصعيد ، فهو التيمم الذي لا يجزئ معه وضوء من الغسل ، ولا بد فيه من التيمم .

وفيما كشفنا من هذه المعاني ما قد دل على فساد قول من قاله لما حكيناه عن هؤلاء القائلين الذين ذهبوا إلى ما حكيناه عنهم في هذا الباب ، وثبوت ضد أقوالهم في ذلك ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية