1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل قول الله عز وجل هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات إلى قوله وما يذكر إلا أولوا الألباب
صفحة جزء
[ ص: 334 ] 403 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل قول الله عز وجل : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ... إلى قوله : وما يذكر إلا أولو الألباب

2515 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثني نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة قال : حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتموهم فاحذروهم ، وإذا رأيتموهم فاحذروهم ، ثم نزع : ( فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ) ... إلى قوله عز وجل : إلا الله والراسخون في العلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الراسخون في العلم هم الذين آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه .

[ ص: 335 ]

2516 - حدثنا عبيد بن رجال قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال : حدثنا الحارث بن عمير ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سمعت الذين يتجادلون فيه فهم الذين عنى الله عز وجل ، أو هم الذين قال الله عز وجل .

[ ص: 336 ] قال أبو جعفر : وقد روى هذا الحديث يزيد بن إبراهيم التستري ، فأدخل في إسناده بين عائشة وبين ابن أبي مليكة القاسم بن محمد .

2517 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا أبو عمر الحوضي قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم قال : حدثنا ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ... إلى آخر الآية قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الذين يتبعون الذي تشابه منه فأولئك الذين سمى الله عز وجل فاحذروهم .

2518 - وكما حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي قال : حدثنا [ ص: 337 ] القعنبي قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

قال : فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه قول الله عز وجل : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب . فأعلمنا عز وجل أن من كتابه آيات محكمات بالتأويل ، وهي المتفق على تأويلها .

والمعقول المراد بها ، وأن منه آيات متشابهات يلتمس تأويلها من الآيات المحكمات اللاتي هن أم الكتاب ، وهي الآيات المختلفة في تأويلها ثم قال عز وجل : فأما الذين في قلوبهم زيغ . والزيغ : الجور عن الاستقامة وعن العدل وترك الإنصاف لأهلها فيتبعون ما تشابه منه ، يطلبون بذلك مثل الذي كان من الأمم الخالية فيما جاءتهم به رسلهم صلوات الله عليهم ابتغاء الفتنة ، وهي فساد ذات البين حتى يكون عنها القتل ، وما سواه مما يجلبه من البغضاء ، والشحناء ، والتفرق [ ص: 338 ] الذي تجري معه الأمور بخلاف ما أمر الله عز وجل به فيها بقوله : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا . ومن كان كذلك خرج من الإسلام ، وصار من غيره واستحق النار .

وقد روي في تأويل هذه الآية ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني زيادة على ما في حديث عائشة منها .

2519 - كما قد حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا عبد الله بن حمران الحمراني قال : حدثنا علي بن مسعدة الباهلي قال : حدثنا أبو غالب قال : قدمت دمشق فأتيت مسجدها فوجدت أبا أمامة في المسجد فسلمت عليه وقعدت إليه ، ثم نهض ونهضت معه حتى انتهينا إلى باب المسجد ، فإذا رؤوس منصوبة على القناة قريب من سبعين رأسا ، فلما نظر إليها أبو أمامة ، ثم وقف قال : يا سبحان الله يا سبحان الله ثلاث مرات ما يعمل الشيطان بهؤلاء ثلاثا ثم قال : شر قتلى تحت ظل السماء ثلاثا ، وخير قتلى من قتله هؤلاء وبكى فقلت له : يا أبا أمامة تقول لهم هذا القول ثم تبكي ؟ فقال : رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ، ثم تلا هذه الآية التي في آل عمران : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات حتى ختم الآية ، ثم قال : هم هؤلاء ثم تلا هذه الآية : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ... حتى ختم الآية .

[ ص: 339 ] ثم قال : هم هؤلاء قال : قلت : يا أبا أمامة هذا شيء تحدث به من رأيك أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : يا سبحان الله يا سبحان الله ثلاث مرات إني إذا لجريء قال : ذلك ثلاثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى بلغ سبعا ما حدثتكموه ثم قال : من أنتم ؟ قال : قلت : من أهل العراق قال : أما إنهم عندكم كثير .


قال أبو جعفر : فدل ما في هذا الحديث على ما ذكرنا ، ثم أخبر عز وجل في هذه الآية بعجز الخلق ، عن تأويل المتشابه الذي ذكره فيها بقوله عز وجل : وما يعلم تأويله إلا الله . ثم أخبر عز وجل بما يقوله [ ص: 340 ] الراسخون في العلم في ذلك ليمتثلوه ويتمسكوا ويقتدوا بهم فيه ، وهو قوله عز وجل : والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا . فهكذا يكون أهل الحق في المتشابه من القرآن يردونه إلى عالمه وهو الله عز وجل ، ثم يلتمسون تأويله من المحكمات اللاتي هن أم الكتاب ، فإن وجدوه فيها عملوا به كما يعملون بالمحكمات ، وإن لم يجدوه فيها لتقصير علومهم عنه لم يتجاوزوا في ذلك الإيمان به ، ورد حقيقته إلى الله عز وجل ، ولم يستعملوا في ذلك الظنون التي حرم الله عليهم استعمالها في غيره ، وإذا كان استعمالها في غيره حراما كان استعمالها فيه أحرم ، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : المراء في القرآن كفر وسنأتي بذلك فيما بعد في موضع هو أولى به من هذا الموضع في بقية كتابنا هذا إن شاء الله تعالى ، وبه التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية