1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له
صفحة جزء
[ ص: 228 ] 43 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له

246 - حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له } .

247 - حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد الأزدي أبو علي ، حدثنا عبد الله بن محمد البيطاري ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 229 ] قال أبو جعفر : فسأل سائل فقال : هل يخالف هذا ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرته في الباب الذي قبل هذا الباب ، فيمن سن سنة حسنة ، وعمل بها من بعده ، وفيما قد ذكرته في غير هذا الموضع يعني :

248 - ما قد حدثنا يونس ، حدثنا ابن عيينة ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن جرير : أن { قوما أتوا النبي عليه السلام من الأعراب مجتابي النمار ، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة ، وكأنهم أبطؤوا بها ، حتى رأوا ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من الأنصار بقطعة تبر ، فألقاها فتتابع الناس حتى عرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن سنة حسنة فعمل بها من بعده ، كان له مثل أجر من عمل بها من غير أن يسقط من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة فعمل بها من بعده ، كان عليه مثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء } .

249 - وما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا شيبان يعني النحوي ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح ، [ ص: 230 ] وموسى بن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن هلال العبسي ، عن جرير بن عبد الله قال : { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من الأعراب ، فأبصر عليها الخصاصة والجهد ، فخطب الناس فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم أمرهم بالصدقة ، وحضهم عليها ، ورغبهم فيها ، فأبطؤوا حتى رئي ذلك في وجهه ، فجاء رجل من الأنصار بقبضة من ورق فأعطاها إياه ، ثم جاء آخر ، ثم تتابع الناس بالصدقة ، حتى رئي السرور في وجهه ، فقال : من سن في الإسلام سنة حسنة ... } ثم ذكر بقية الحديث الذي ذكرناه قبله .

250 - حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف ، حدثنا محمد بن سواء ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الرحمن ، عن جرير البجلي : أنه حدثهم في ناحية مسجد الكوفة أن { رجلا من الأنصار قام إلى رسول الله عليه السلام بصرة من ذهب تملأ ما بين الأصابع ، فقال : يا رسول الله ، هذه في سبيل الله ، ثم قام أبو بكر فأعطى ، ثم قام عمر فأعطى ، ثم قام المهاجرون والأنصار فأعطوا ، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا الفرح في وجهه ، فقال عند ذلك : من سن سنة ... } ، ثم ذكر بقية الحديث الذي قبله .

قال أبو جعفر : في هذه الأحاديث { من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده ، ومن سن في [ ص: 231 ] الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من عمل بها من بعده } .

وروى حذيفة عن رسول الله عليه السلام في ذلك مما يدخل في هذا المعنى .

251 - ما قد حدثنا بكار ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا هشام بن حسان ، عن محمد يعني : ابن سيرين ، عن أبي عبيدة بن حذيفة ، عن أبيه قال : { قام قائل فسأل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمسك القوم ، ثم إن رجلا من القوم أعطى ، وأعطى القوم . فقال رسول الله عليه السلام : من سن خيرا فاستن به فله أجره ، ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ، ومن سن سوءا فاستن به فعليه وزره ، ومن أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا } .

قال أبو جعفر : وهذا أشبه المعنيين عندنا بالحق والله أعلم ؛ لأن المقتدي بمن تقدمه معه العمل ، ومن تقدمه فعمله في مثل ذلك قد انقطع ، فمعقول عندنا أن مع المقتدي في ذلك أكثر مما مع المبتدي ، وكذلك يكون أجر كل واحد منهما في ذلك .

فكان جوابنا في ذلك بتوفيق الله وعونه أنه لا خلاف في ذلك لحديث أبي هريرة الذي قد ذكرناه ؛ لأن الذي في هذه الروايات ذكر السنة المستنة ، فهي من العلم الذي ينتفع به .

[ ص: 232 ] وسأل سائل فقال : هل يخالف حديث أبي هريرة الذي قد ذكرته ما قد روى فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر :

252 - ما حدثنا يونس ، وعيسى الغافقي ، قالا : حدثنا ابن وهب قال : وأخبرني أبو هانئ الخولاني ، عن عمرو بن مالك الجنبي : أنه سمع فضالة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من مات على مرتبة من هذه الرواتب ، بعث عليها يوم القيامة } .

253 - وما قد حدثنا بكر بن إدريس بن الحجاج بن هارون الأزدي أبو القاسم ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة ، وابن لهيعة قالا : حدثنا أبو هانئ : أن أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع فضالة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

254 - حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن أبي حرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن رسول الله عليه السلام مثله ، وزاد : { ولا تقربوه طيبا } .

[ ص: 233 ] قال أبو جعفر : وذكر هذا السائل مع ذلك .

255 - ما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا النبيل أبو عاصم ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : { يبعث كل عبد على ما مات عليه . قيل له : عن النبي عليه السلام ؟ قال : نعم } .

فكان جوابنا له في ذلك أن هذا ليس من حديث أبي هريرة في شيء ؛ لأن هذا فيما كان عليه صاحبه من أعمال الخير حتى قطعه موته عنه ، فبقي بعد موته على نيته التي مات عليها ، وكتب له بعد موته من الثواب ما كان يكتب له لو لم يمت ، ومثل ذلك ما قد روي عن النبي عليه السلام في المحرم يموت في إحرامه .

256 - كما قد حدثنا يونس ، حدثنا سفيان قال : سمع عمرو بن دينار ، حدثنا سعيد بن جبير بخبر عن ابن عباس سمعه يقول : { كنا مع النبي عليه السلام في سفر ، فخر رجل عن بعيره فوقص فمات ، وهو محرم فقال النبي عليه [ ص: 234 ] السلام : اغسلوه بماء وسدر ، وادفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا رأسه ، فإن الله يبعثه يوم القيامة يهل } .

قال لنا يونس : قال لنا سفيان : وزاد فيه إبراهيم بن أبي حرة ، عن سعيد بن جبير يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : { ولا تقربوه طيبا } .

257 - وكما قد حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { أن رجلا خر من بعيره فوقص فمات ، فقال النبي عليه السلام : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا رأسه ؛ فإنه يبعث يوم القيامة يهل ، أو يلبي } .

ومثله ما قد روي عن النبي عليه السلام في الشهيد .

[ ص: 235 ]

258 - كما قد حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث : أن ابن شهاب حدثه ، عن عبد الله بن ثعلبة الزهري ، { وكان رسول الله عليه السلام قد مسح وجهه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقتلى أحد الذين قتلوا في سبيل الله ، ووجدوهم قد مثل بهم . فقال : زملوهم بجراحهم ، فإنه ليس من كلم كلم في سبيل الله إلا يأتي يوم القيامة لونه لون دم ، وريحه ريح مسك } .

فهذا - أعني حديث فضالة - ، وحديث ابن عباس ، وحديث عبد الله بن ثعلبة ، فيها ذكر أحوال من كان عمل في طاعات الله تعالى ، حتى قطعه عنه موته ، وذكر أحواله التي يبعث عليها يوم القيامة .

وحديث أبي هريرة ففيه ذكر أعمال مستأنفات بعد موت ذوي العلم الذي ينتفع به ، يجري عليهم ثوابها بعد موتهم منضافا إلى ما كان منهم في ذلك في حياتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية