1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة ص هل فيها سجدة أم لا
صفحة جزء
[ ص: 231 ] 443 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة ( ص ) هل فيها سجدة أم لا .

2802 - حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عياض بن عبد الله بن سعد ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في ( ص ) .

فتأملنا هذا الحديث فوجدناه مختصرا من حديث فيه معنى لا يوجب ما اختصر هذا الحديث عليه .

2803 - وهو ما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن ابن أبي هلال ، عن عياض بن عبد الله بن سعد ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ص ) ، وهو على المنبر ، فلما بلغ السجدة ، نزل فسجد وسجد الناس [ ص: 232 ] معه ، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تهيؤوا - أو كلمة نحوها - للسجود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي توبة نبي ، ولكن رأيتكم تهيأتم - أو تشزنتم ، أو كلمة نحوها - للسجود ، فنزل ، وسجدوا .

فكان في هذا الحديث إخبار أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها عند تلاوته إياها في البدء ، ثم تلاها بعد ذلك فتهيأ الناس للسجود فيها مع سجوده فيها ، فأخبرهم أنها سجدة شكر من نبي عند توبة الله عليه ، أي أنها ليست من عزائم السجود ، وأنها إنما هي لمعنى كان إلى ذلك النبي دونهم .

وعقلنا بذلك أنه إذا كان من الله عز وجل إلى أحدهم ما هو من جنس ذلك كان مباحا له السجود عنده ، وفي ذلك ما قد دل على إباحة السجود للشكر ، كما كان محمد بن الحسن والشافعي يقولانه في ذلك .

وفي ذلك ما قد دل أن من السجود ما هو عزيمة لا بد من السجود ، وأن منها ما هو ليس كذلك .

فالتمسنا ذلك هل نجده في شيء مما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم . [ ص: 233 ]

فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر ، عن علي رضي الله عنه قال : إن عزائم السجود : الم تنـزيل ، و حم ، والنجم ، و اقرأ باسم ربك .

ووجدنا حسين بن نصر قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، ثم ذكر بإسناده مثله .

وهذا من علي فلم يقله استنباطا ، ولكنه قد قاله ما قد علمه بما هو فوق الاستنباط ، فدل ذلك إذا كان من السجود عزائم أن معها الوجوب ، وأن ما كان منها لا عزيمة معه فتاليه وسامعه بالخيار بين السجود فيه وبين ترك ذلك ، وقد كان أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله يذهبون إلى أن سجود القرآن الذي هو السجود عندهم ، وهو أربع عشرة سجدة ، منها ( ص ) واجبة ، وكان مالك بن أنس فيما حكاه عنه عبد الرحمن بن القاسم يقول في سجود القرآن : إنها عزائم ، وإنها إحدى عشر ، فيها سجدة ( ص ) ، وكان أبو حنيفة ومالك جميعا وأصحابهما لا يعدون في سورة الحج إلا [ ص: 234 ] سجدة واحدة ، وهي التي في أولها وكان الشافعي فيما حكى لنا المزني عنه يذهب إلى أنها أربعة عشرة سجدة سوى ( ص ) ويجعل في الحج سجدتين سجدة في أولها وسجدة في آخرها .

وما قد رويناه مما قد دل عليه ما رواه أبو سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرنا ، ومما قد رويناه عن علي رضي الله عنه ، مما قد شد ذلك أولى مما قالوه جميعا ، فتكون عزائم السجود التي ذكرها علي هي التي لا بد من الإتيان بها ، وما سواها من سجود القرآن بخلاف ذلك ، ويكون من سمعها أو من تلاها له السجود فيها ، وله ترك ذلك ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا مما يدخل في هذا الباب

ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن مجاهد قال : سئل ابن عباس عن السجدة في ( ص ) ، فقال : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده .

وما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أنبأنا العوام بن حوشب عن مجاهد ، فذكر مثله وزاد : فكان ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به .

[ ص: 235 ] وما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا حصين ، والعوام ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، ثم ذكر مثله .

وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب ، عن شعبة ، عن العوام ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سجد في ( ص ) ، وقال : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان وجه ذلك عندنا - والله أعلم - أن يقتدى به في أن يسجد في مثل ما كان من داود صلى الله عليه وسلم السجود عنده من الشكر ، وفي ذلك ما قد دل على موافقة ابن عباس عليا رضي الله عنه فيما رويناه عنه من ذلك ، والله نسأله التوفيق .

وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه سجد فيها أيضا .

كما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أبو مصعب الزهري ، قال : [ ص: 236 ] أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن السائب بن يزيد أنه رأى عثمان رضي الله عنه يسجد في ( ص ) .

وكما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا أبو مروان العثماني ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، ثم ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : وكان ذلك عندنا محتملا أن يكون قصد به إلى الشكر لله - عز وجل - فيما كان منه إلى نبيه داود صلى الله عليه وسلم من توبته عليه ، ويكون حكمها عنده أن لا سجود فيها إلا لمن قصد إلى السجود فيها لهذا المعنى ، ويكون حكمها خلاف حكم سائر سجود القرآن ، ويحتمل أن يكون سجدها كما يسجد عند تلاوته سجود القرآن سواها لا لهذا المعنى الذي بدأنا بذكره من هذين الاحتمالين .

وقد وجدنا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيها [ ص: 237 ] ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا خصيف ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال لي ابن عمر رضي الله عنهما : أتسجد في ( ص ) ؟ قلت : لا ، قال : فاسجد فيها فإن الله عز وجل يقول : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ، وكان هذا مما قد يحتمل أن يكون أراد به الاقتداء بداود صلى الله عليه وسلم ، والسجود فيها لما سجدها داود صلى الله عليه وسلم لمثله ، لا لأنها تسجد لتلاوة خاصة ، كما يسجد غيرها من سجود القرآن ، وبالله التوفيق .

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها من سجود القرآن ، كما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا خالد ، عن أبي العريان المجاشعي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وذكر سجود القرآن ، فذكر منها ( ص ) .

[ ص: 238 ] قال أبو جعفر : ففي هذا ما قد دل أن ابن عباس جعلها كغيرها من سجود القرآن ، وأنها تسجد لتلاوة ، لا لما سواها كما يسجد غيرها .

ثم وجدنا عن ابن عباس أيضا ما يدل أنها ليست من عزائم القرآن .

2804 - كما حدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ليس ( ص ) من عزائم سجود القرآن ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بها فسجد فيها ، فدل ذلك أن السجود به فيها عنده بخلاف السجود فيما سواها من سجود القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية