1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضيافة من إيجابه إياها ومما سوى ذلك
صفحة جزء
[ ص: 245 ] 445 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضيافة من إيجابه إياها ومما سوى ذلك .

2810 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال : حدثنا ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : حدثنا المقداد بن عمرو ، قال : جئت أنا وصاحب لي قد كادت تذهب أسماعنا وأبصارنا من الجوع ، فجعلنا نتعرض للناس فلم يضفنا أحد ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : يا رسول الله بنا جوع شديد ، فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد ، فأتيناك ، فذهب بنا إلى منزله ، وعنده أربعة أعنز ، فقال : يا مقداد احلبهن ، وجزئ اللبن لكل اثنين جزءا .

2811 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، [ ص: 246 ] قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن المقداد بن عمرو ، قال : قدمت المدينة أنا وصاحب لي ، ثم ذكر مثله .

فكان هذا الحديث يدل على أن الضيافة ليست بواجبة ؛ لأنها لو كانت واجبة لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على من تخلف عنها .

فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنتم تروون عنه .

2812 - فذكر ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة .

وذكر ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا بشر بن عمر ، ووهب بن جرير ، عن شعبة ، عن منصور ، عن الشعبي ، عن المقدام أبي كريمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم ، فإن أصبح بفنائه فإنه دين إن شاء اقتضاه ، وإن شاء تركه .

[ ص: 247 ]

2813 - وحدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن منصور ، فذكر بإسناده مثله .

قال : ففي هذا الحديث إثباته وجوب الضيافة ، وجعله إياها دينا على من نزل به ، قال : وأنتم تروون عنه أيضا في توكيد وجوبها ما يزيد على ما في هذا الحديث .

2814 - فذكر ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر قال : قلنا : يا رسول الله ، إنك تبعثنا فنمر بقوم ، قال : إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي .

[ ص: 248 ]

2815 - وما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو مسهر الغساني ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، عن الزبيدي ، عن مروان بن رؤبة أنه حدثه ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي ، عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيما رجل أضاف قوما فلم يقروه ، كان له أن يعقبهم بمثل قراه .

2816 - وما قد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن نعيم بن زياد ، [ ص: 249 ] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما ، له أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه .

2817 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح أن أبا طلحة حدثه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله .

قال : وهذا يدل أيضا على إيجابها ، وأنها تكون لأهلها دينا على من حلوا به كسائر الديون سواها .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن كل ضيف من هذين الضيفين قد يحتمل أن يكون غير الضيف الآخر منهما ، ويكون ما في حديث المقداد على ضيف قد يستطيع أن يتعوض من الضيافة غيرها بابتياع ما يغنيه عنها بما معه مما يستطيع أن يصرفه في ثمنه ، أو يسأل إن كان لا شيء معه حتى يصل بمسألته إلى ذلك ، وإن كان الأحسن بمن نزل به أن يكفيه ذلك ، وأن يمتثل في أمره ما [ ص: 250 ] قد أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إكرامه على ما قد ذكرناه فيما قبل هذا الباب من كتابنا هذا في ذلك المعنى ، ويكون ما في حديثي أبي هريرة والمقدام على المارين بقوم في بادية لا يجدون من ضيافتهم إياهم بدلا ، ولا يجدون ما يبتاعونه مما يغنيهم عن ذلك ، فيكون الحديثان اللذان ذكرنا كل واحد منهما له وجه غير وجه الحديث الآخر .

ومما يدل على ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2818 - كما قد حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي ، قال : حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر ، قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن الهاد ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فيحمل طعامه ، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحتلبن أحدكم ماشية امرئ إلا بإذنه .

[ ص: 251 ]

2819 - وكما حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب أن مالكا حدثه ثم ذكر بإسناده مثله .

2820 - وكما حدثنا بكار ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا الثوري ، عن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

2821 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود البصري ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، فذكر بإسناده مثله .

2822 - وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن سهيل ، عن عبد الرحمن بن سعد ، عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه ، قال : وذلك لشدة ما حرم [ ص: 252 ] الله عز وجل على المسلم من مال المسلم .

2823 - وكما حدثنا الربيع بن سليمان بن داود ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثنا عبد الملك بن الحسن ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن عمارة بن حارثة ، عن عمرو بن يثربي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه ، قال : قلت : يا رسول الله ، إن لقيت غنم ابن عمي آخذ منها شيئا ؟ فقال : إن لقيتها تحمل شفرة ، وأزنادا بخبت الجميش فلا تهجها .

[ ص: 253 ] قال أبو جعفر : ففيما روينا إثبات تحريم مال المسلم على المسلم .

فقال قائل : فقد رويتم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا .

2824 - فذكر ما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، قال : حدثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتى أحدكم على حائط فليناد صاحبه ثلاث مرار ، فإن أجابه ، وإلا فليأكل من غير أن يفسد ، وإذا أتى على غنم فليناد راعيها ثلاث مرار ، فإن أجابه وإلا فليشرب من غير أن يفسد .

[ ص: 254 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن هذا قد يحتمل أن يكون على الضرورة إلى ذلك ، بلى قد وجدناه كذلك .

2825 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا مخول بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عبد الله بن عصمة ، قال : [ ص: 255 ] سمعت أبا سعيد الخدري يقول : إذا أرمل القوم فصبحوا الإبل ، فلينادوا الراعي ثلاثا ، فإن لم يجدوا الراعي ووجدوا الإبل ، فلينضحوا لبن الراوية ، وإن كان في الإبل راوية ، ولا حق لهم في نفسها ، فإن جاء الراعي فليمسكه رجلان ولا يقاتلوه وليشربوا فإن كان معهم دراهم ، فهو عليهم حرام إلا بإذن أهلها .

قال : فهذا موقوف على أبي سعيد .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الحديث الذي احتج به علينا مشكوك فيه ، هل هو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو موقوف على أبي سعيد ؟ وقد وجدنا حديث ابن عصمة هذا مرفوعا في رواية شريك إياه .

2826 - كما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن عبد الله بن عصم ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري رفعه قال : لا يحل لأحد أن يحل صرار ناقة إلا بإذن أهلها ، فإنه خاتمهم عليها .

[ ص: 256 ] قال أبو جعفر : فدل ذلك على أن ما في حديث عبد الله بن عصمة الذي سمي في هذا الحديث أبوه مكان عصمة ، عصما مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه على الإرمال لا على الوجود .

وقد وجدنا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ما يدل على المعنى الذي ذهبنا إليه في هذا الباب .

2827 - كما حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبان بن يزيد العطار ، قال : أخبرني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثنا عبد الرحمن مولى سعد بن أبي وقاص ، قال : كنت مع سعد بن أبي وقاص في سفر فآوانا الليل إلى قرية دهقان ، وإذا الإبل عليها أحمالها ، فقال لي سعد : إن كنت تريد أن [ ص: 257 ] تكون مسلما حقا فلا تأكل منها شيئا ، فبتنا جائعين .

فكان هذا القول من سعد رضي الله عنه يدل على أن امتثاله من حقائق أمور الإسلام التي يجب على أهله التمسك بها ، وترك خلافها هو ما يفعله ، وأمر به مولاه مما ذكرنا ، وكان ذلك منه في قرية لا في بادية ، فكان ذلك القول منه على أحكام القرى ، وليس على أحكام ما سواها من البوادي ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية