1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الولاء بالموالاة
صفحة جزء
[ ص: 269 ] 447 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الولاء بالموالاة .

2845 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا محمد بن كثير العبدي ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من والى قوما بغير إذن مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه عدلا ولا صرفا .

2846 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، [ ص: 270 ] قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، فذكر بإسناده مثله .

2847 - حدثنا يزيد ، قال : حدثنا حكيم بن سيف الرقي ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن سليمان ، يعني : الأعمش ، ثم ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : ففيما روينا من هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل أنه جائز للرجل أن يتولى الرجل ، فيكون بذلك مولى بعد قبوله ذلك منه ؛ لأنه لما منعه أن يتولاه بغير إذن مواليه وهم الذين كانوا مواليه قبل ذلك ، كان في ذلك ما قد دل أن له أن يتولاه بإذنهم إياه بذلك ، وبإطلاقهم إياه له ، وفي ذلك ما قد دل على أنه كان مولى لهم بخلاف العتاق ؛ لأنه لو كان مولى لهم بعتاقهم إياه ، لما كان له أن يوالي غيرهم ، ولا أن يكون مولى لأحد سواهم ، أذنوا له في ذلك أو لم يأذنوا له فيه .

2848 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : [ ص: 271 ] حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن مروان قال لهم : اذهبوا فأصلحوا بين هذين : سعيد بن زيد ، وأروى ابنة أويس ، فذهبنا ، فقلنا : مالك ولهذه المرأة ؟ فقال : أتروني أخذت من حق هذه المرأة شيئا ، وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أخذ شيئا من الأرض طوقه من سبع أرضين ، ومن اقتطع من مال امرئ مسلم بيمينه فلا بورك له فيه ، ومن تولى مولى قوم بغير إذن أهله فعليه لعنة الله عز وجل ، لا يقبل الله عز وجل منه صرفا ولا عدلا .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن تولى مولى قوم بغير إذن أهله فعليه لعنة الله ، ففي ذلك ما قد دل أنه جائز له أن يتولاه بإذن أهله له في ذلك ، وقد روي هذا الحديث بغير هذا اللفظ .

2849 - كما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا [ ص: 272 ] خالد بن عبد الرحمن الخراساني .

2850 - وكما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، والربيع بن سليمان بن داود الأزدي ، قالا : حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن أبي ذئب ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنهم قالوا : ومن تولى مولى بغير إذنه فعليه لعنة الله .

قال : فكان في ذلك أيضا ما قد دل أنه جائز له أن يتولاه بإذنه .

2851 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله ، وقال : لا يتولى مولى قوما إلا بإذنهم .

قال : ووجدت في صحيفته : ولعن ....

[ ص: 273 ] ففي هذا الحديث أيضا : أن لا يتولى مولى قوما إلا بإذنهم ، وفي ذلك ما قد دل أن له أن يتولاهم بإذنهم ، وكان في هذه الآثار كلها إثبات الولاء قبل هذا التولي على المتولي بقوم آخرين .

ففي ذلك ما قد دل على أنه جائز للرجل أن يتولى الرجل بموالاته إياه ، وبقبول الذي يتولاه ذلك منه ، وفي ذلك إطلاق وجوب الولاء بغير العتاق ، كما يقول العراقيون في ذلك ، وقد عارضهم معارض من الحجازيين في ذلك بما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : إنما الولاء لمن أعتق ، وسنذكر ذلك في أسانيده في غير هذا الموضع من كتابنا هذا مما هو أولى به من هذا الموضع - إن شاء الله تعالى - ، فكان من الحجة عليه في ذلك لمخالفيه فيه أن الذي ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكره ، وهو مقصود به إلى الولاء بالعتاق ، لا إلى الولاء بما سواه ، وقد وجدنا الشيء يقصد إليه بمثل هذا القول ، ولا يمنع أن يكون في شيء سواه شيء من ذلك الجنس .

من ذلك قوله [ ص: 274 ] - عز وجل - : إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، الآية .

فكان ذلك نفيا منه أن تكون تلك الصدقات ، وهي الزكوات لسوى من سمى الله في هذه الآية ، ولم يمنع عز وجل بذلك أن يكون هناك صدقات سوى الزكوات لقوم آخرين سوى الأصناف المذكورين في هذه الآية ، وهي الصدقات من بعض الناس على بعض ممن ليس بفقير ولا بمسكين ولا من صنف من الأصناف المذكورين في هذه الآية ، وكان ما في هذه الآية على الزكوات خاصة ، وكان ما سواها من الصدقات بخلافها ، ولأهل سوى أهلها فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الولاء : إنما الولاء لمن أعتق ، هو على الولاء بالعتاق ، ولا يمنع ذلك أن يكون هناك ولاء سواه ، وهو الولاء الذي قد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث علي ، وسعيد بن زيد ، وجابر بن عبد الله رضوان الله عليهم بالموالاة ، وتصحيح أحاديث علي ، وسعيد ، وجابر رضوان الله عليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء قد يكون بالموالاة ، وأن يكون للمولى أن ينتقل بولائه عن من كان مولى له بها إلى من سواه من الناس بإذن من ينتقل به عنه ، وبإذن من ينتقل به إليه .

وأن لا يكون مولى لمن ينتقل إليه إلا بهذه الثلاثة الأشياء لا بدونها ، وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يذهبون إلى وجوب الولاء بالموالاة على ما في هذه الأحاديث ، ويذهبون إلى أن للمولى أن ينقل ولاءه إلى من شاء نقله إليه ، رضي مولاه الأول بذلك أو كرهه ما لم يكن عقل عنه جناية جناها ، فإنه إن كان ذلك ، لم يكن له في قولهم أن ينقل ولاءه عنه على حال من الأحوال ، [ ص: 275 ] والذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد بينا معانيه ، وكشفناها في هذا الباب أولى مما قالوا فيه مما يخالف ذلك ؛ لأنه ليس لأحد أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول ولا في فعل إلا فيما أبانه الله - عز وجل - به من سائر أمته ، وجعل حكمه فيه خلاف أحكامهم فيه ، وليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ذكر عقل جناية ، فدل ذلك على أن لا معنى لمراعاة عقول الجنايات في ذلك ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية