1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في شجر مكة وفي خلاها ومن قول العباس له عند ذلك لما وقف على منعه منه إلا الإذخر ومن قوله له جوابا لكلامه إلا الإذخر
صفحة جزء
[ ص: 166 ] 500 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في شجر مكة وفي خلاها ومن قول العباس له عند ذلك لما وقف على منعه منه : إلا الإذخر ، ومن قوله له جوابا لكلامه : إلا الإذخر

3138 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، وموسى بن هارون البردي ، ونعيم بن حماد قالوا : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله عز وجل يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله عز وجل إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل فيه القتال لأحد قبلي ، ولا يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها ، فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر ؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر .

[ ص: 167 ]

3139 - حدثنا محمد بن العباس بن الربيع ، عن علي بن معبد ، وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن أبي عون الواسطي ، قال : حدثنا أبو يوسف ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ، ووضعها بين هذين الأخشبين ، لم تحل لأحد قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يرفع لقطها إلا منشدها ، فقال العباس : إلا الإذخر ، فإنه [ ص: 168 ] لا غنى لأهل مكة لبيوتهم وقبورهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر .

3140 - حدثنا الحسن بن غليب ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن يزيد بن أبي زياد ، فذكر بإسناده مثله إلا أنه قال : فقال العباس : يا رسول الله ، إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر ، فقال : إلا الإذخر .

3141 - وحدثنا أحمد بن محمد بن سلام البغدادي ، قال : حدثنا وهب بن بقية ، قال : أخبرنا خالد ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل حرم مكة ، فلم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم ذكر بقية الحديث الذي قبله .

[ ص: 169 ]

3142 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : فقام العباس - وكان رجلا مجربا - ، فقال : إلا الإذخر ، فإنه لبيوتنا ولقبورنا وقيوننا ، فقال : إلا الإذخر .

3143 - وحدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عبيد بن يعيش الكوفي ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، قال : حدثنا أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم بن يناق ، عن صفية ابنة شيبة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الفتح ، فقال : أيها الناس ، إن الله عز وجل حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام إلى يوم القيامة ؛ لا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد ، فقال العباس بن عبد المطلب : يا رسول الله إلا الإذخر ، فإنه لظهور البيوت والقبور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر .

[ ص: 170 ]

3144 - حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : حدثني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في خطبته لما فتحت مكة : إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة القتل - هكذا قال ، وإنما هي : الفيل - وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ، فإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، وإنها ساعتي هذه ، حتى إنه لا يعضد شجرها ، ولا يختلى شوكها ، فقام العباس ، فقال : يا رسول الله ، إلا الإذخر فإنه نجعله في قبورنا وبيوتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر .

[ ص: 171 ]

3145 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا حرب بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة الفيل وغير أنه قال : فقام رجل من قريش مكان ما في الحديث الأول من قول راويه : فقام العباس .

3146 - وحدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا ابن الدراوردي ، قال : حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجون ، فقال : والله إنك لخير أرض الله عز وجل ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولو أني لم أخرج منك ما خرجت ، وإنها لم تحل لأحد [ ص: 172 ] كان قبلي ، ثم ذكر مثله ، غير أنه قال فيه : ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد ، فقال رجل يقال له شاه : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، ثم ذكر بقية الحديث .

فسأل سائل عما أضيف في هذه الأحاديث إلى العباس أو إلى من ذكر سواه من قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر حرمة شجر مكة ، وحرمة خلاها إلا الإذخر استثناء من ذلك ، وأنكر أن يكون ذلك كان من العباس ، وأن يكون رسول الله يقار أحدا على ذلك .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن هذه الآثار ثابتة ، صحيحة المجيء ، مقبولة كلها ، وأن الذي كان من العباس أو ممن سواه فيها غير منكر من مثله ، وأن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار ذلك [ ص: 173 ] عليه غير منكر أيضا ، وكيف ينكر عليه ما هو محمود فيه ، إذ قد علم من حاجة أهل مكة إلى الإذخر ما هم عليه منها ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، طلب منه مراجعة ربه في ذلك كما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج ربه عز وجل لما افترض على أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة التخفيف مرة بعد مرة حتى ردها إلى خمس صلوات ، وكما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن على حرف ، فراجع في ذلك مرة بعد مرة حتى رد إلى سبعة أحرف .

فكان مثل ذلك ما كان من العباس أو من غيره مما ذكرنا ، وكان قوله "إلا الإذخر " وقطعه الكلام عند ذلك لعلمه بفهم النبي صلى الله عليه وسلم ما أراده منه من سؤاله ربه عز وجل عن ذلك ، فغني عن الكلام به ، كما تستعمل العرب في كلامها للاختصار السكوت عن الكلام به لعلمها بفهم من تخاطبه بذلك ما خاطبته به من أجله حتى يأتوا ببعض الكلمة ، ويتركوا بقيتها .

ومن ذلك قولهم : "كفى بالسيف شا" ، يريدون شاهدا ، حتى تعالى ذلك أن جاء القرآن به ، فمن ذلك قوله عز وجل : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ، ثم قطع بقية الكلام ، وهو مما قد اختلف أهل العلم فيه ما هو ، فقال بعضهم : هو : لكفروا به ، وقال بعضهم : هو : لكان هذا القرآن .

ومن ذلك قوله عز وجل : ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ، وترك ذكر ما كان يكون لولا فضله ورحمته .

ومن ذلك قوله : أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه . [ ص: 174 ] ثم قال : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وترك ذكر من ليس هو مثله لغناه عن ذلك بفهم المخاطبين به .

فمثل ذلك قول العباس أو من قاله سواه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر غني عن استتمام الكلام بما أراد لعلمه بفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ما أراد .

فقال هذا القائل : فقد كان من النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك الجواب بلا زمان فيما بين السؤال وبين الجواب يكون فيه الوحي لذلك الجواب .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل في لطيف قدرة الله عز وجل مجيء الوحي في ذلك الوقت من حيث لا نعقل نحن مجيء مثله فيه ، ويحتمل أن يكون كان من النبي صلى الله عليه وسلم فيه ما كان بإلقاء جبريل صلى الله عليه وسلم ذلك إليه ، كما قال للذي سأله في حديث أبي قتادة : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، يكفر الله عني خطاياي ؟ فقال : نعم . فلما ولى قال له : إلا أن يكون عليك دين ، كذلك قال لي جبريل صلى الله عليه وسلم .

فدل ذلك على حضور جبريل صلى الله عليه وسلم جوابه الأول ، وقوله له ما قاله لسائله جوابا ثانيا .

وإذا كنا قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سنذكره فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله من قوله لحسان في وقت مهاجاته المشركين عنه : [ ص: 175 ] اهجهم وجبريل معك .

وإذا كان جبريل لمهاجاته قريشا مع حسان ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه معه في خطبته التي يخبر الناس فيها عن الله عز وجل بشرائع دينهم ، وبفرائضه عليهم أولى ، وبكون جبريل صلى الله عليه وسلم معه في ذلك الوقت أحرى .

فبان بحمد الله ونعمته أن لا منكر في شيء مما أنكره هذا الجاهل بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرناه عنه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية