1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة من المسلمين لا على الجحود بها هل يكون بذلك مرتدا عن الإسلام أم لا
صفحة جزء
[ ص: 193 ] 503 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة من المسلمين لا على الجحود بها ، هل يكون بذلك مرتدا عن الإسلام أم لا ؟

3167 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال :

حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول : إن الوتر واجب ، قال المخدجي : فرحت إلى عبادة بن الصامت ، فاعترضته وهو رائح إلى المسجد ، فأخبرته بالذي قال أبو محمد ، فقال عبادة : كذب أبو محمد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن ، فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، وإن شاء أدخله الجنة .

[ ص: 194 ] [ ص: 195 ]

3168 - وحدثنا عبد المطلب بن شعيب بن حيان الأزدي ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، أن رجلا من بني كنانة ثم من بني مخدج ، لقي رجلا من الأنصار يقال له : أبو محمد ، فسأله عن الوتر ، فقال له : إنه واجب ، فقال الكناني : فلقيت عبادة ، ثم ذكر مثل حديث يونس ، عن ابن وهب ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد سواء .

[ ص: 196 ]

3169 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، عن المخدجي ، عن أبي محمد الأنصاري ، أنه قال : الوتر واجب كوجوب الصلاة ، فذكرت ذلك لعبادة بن الصامت ، فقال : كذب أبو محمد ، ولكنه سنة ، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خمس صلوات ... ثم ذكر ما في حديث يحيى بن سعيد ، ولم يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم .

3170 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني ، قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : اختلف عمي واسع بن حبان وعبد الرحمن بن عقبة بن كديم في الوتر ، فقال عمي : سنة لا ينبغي تركها ، وقال عبد الرحمن : فريضة كفريضة الصلاة ، فلقيت ابن محيريز الجمحي فسألته ، فقال : أخبرني المخدجي أنه اختلف فيها هو ورجل من أهل الشام يقال له : أبو محمد ، وعبادة بن الصامت إذ ذاك بطبرية فأتيته ، فقلت : أبا الوليد ، إني اختلفت أنا وأبو محمد في الوتر ، فقلت : سنة لا ينبغي تركها ، وقال : فريضة كفريضة الصلاة ، وكان عبادة رجلا فيه حدة ، فقال : كذب أبو محمد ليس كما قال ، ولكن كما قلت ، أشهد لسمعت [ ص: 197 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيه إلى في لا أقول قال فلان وفلان : خمس صلوات افترضهن الله على عباده من لقيه ولم يضيعهن استخفافا بحقهن لقيه ... وسقط ما بقي من الكلام في ذلك مما هو مذكور في حديثي مالك والليث عن يحيى بن سعيد الذي ذكرناه في هذا الباب ، إلى ما فيه من قوله : ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .

قال أبو جعفر : والمخدجي المذكور في هذا الحديث اسمه رفيع ، فيما ذكر يحيى بن معين ، وأبو محمد المذكور فيه : اسمه سعد بن أوس .

فكان فيما رويناه في هذا من أحاديث يحيى وعبد ربه ابني سعيد ، ومحمد بن إسحاق ، عن محمد بن يحيى بن حبان رجوع هذا الحديث إلى ابن محيريز عن المخدجي عن عبادة ، وقد خالفهم [ ص: 198 ] في ذلك عقيل بن خالد ، ومحمد بن عجلان ، فروياه عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، عن عبادة بغير إدخال منهما المخدجي بين ابن محيريز وبين عبادة .

3171 - وكما حدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، قال : حدثنا سلامة بن روح بن خالد ، عن عقيل بن خالد ، قال : حدثني محمد بن يحيى بن حبان ، أن عبد الله بن محيريز حدثه : أن رجلا تمارى هو ورجل من الأنصار يقال له : أبو محمد في الوتر ، فقال أبو محمد : هو بمنزلة الصلاة ، وقال الرجل الآخر : من السنة لا ينبغي تركها وليس بمنزلة الفريضة ، قال : فسألت عن ذلك عبادة بن الصامت الأنصاري ، وأخبرته بما قلنا كلانا ، قال : وكان رجلا فيه حدة ، فقال : كذب أبو محمد - مرارا ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله افترض على عباده خمس صلوات ، من جاءهن يوم القيامة لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن لقيه وله عليه عهد يدخله به الجنة ، ومن أضاع منهن شيئا لقيه ولا عهد له عنده ، إن شاء عذبه ، وإن شاء أدخله الجنة .

3172 - وكما حدثنا الحسن بن غليب الأزدي ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني [ ص: 199 ] محمد بن العجلان ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، قال : ذكر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له : أبو محمد الوتر ، فقال : إنه واجب ، فذكرت ذلك لعبادة بن الصامت ، فقال : كذب أبو محمد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خمس صلوات ... ثم ذكر بقية الحديث على مثل ما في حديثي مالك والليث اللذين ذكرناهما في هذا الباب .

وقد روي هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث كعب بن عجرة الأنصاري ، عنه أيضا .

3173 - كما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن النعمان الأنصاري ، قال : حدثني إسحاق بن سعيد بن كعب بن عجرة الأنصاري ، عن أبيه ، عن كعب ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد سبعة ، منا ثلاثة من عربنا ، وأربعة من موالينا ، فقال : ما يجلسكم هنا ؟ قلنا : الصلاة ، قال : فنكت بإصبعه في الأرض ، ثم نكس ساعة ، ثم رفع إلينا رأسه ، فقال : تدرون ما يقول ربكم ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنه يقول : من صلى الصلاة لوقتها ، وأقام حدها ، كان له به على الله عهد إذا جاءه الجنة ، ومن لم يقم الصلاة لوقتها ، ولم [ ص: 200 ] يقم حدها ، لم يكن له به عندي عهد ، إن شئت أدخلته النار ، وإن شئت أدخلته الجنة .

3174 - وكما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : حدثنا مالك - يعني ابن مغول - ، عن أبي حصين ، عن الشعبي ، عن كعب ، قال : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في المسجد ، ثم ذكر مثله .

قال أبو جعفر : فكان في حديث عبادة : إن لم يأت بهن يعني : الصلوات الخمس .

[ ص: 201 ] وفي حديث كعب : من لم يقم الصلاة لوقتها ، ولم يقم حدها ، ثم في حديثيهما جميعا : لم يكن له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، في حديث عبادة ، وفي حديث كعب : أدخله النار ، وفي حديثيهما جميعا : وإن شاء أدخله الجنة .

فكان في ذلك ما قد دل أنه لم يخرجه بذلك من الإسلام فيجعله مرتدا مشركا ؛ لأن الله عز وجل لا يدخل الجنة من أشرك به لقوله : إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، ولا يغفر له لقوله عز وجل : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

فقال قائل : فكيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تروون عنه .

3175 - فذكر ما قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا المؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بين العبد وبين الكفر - أو قال : الشرك - ترك الصلاة .

[ ص: 202 ]

3176 - وما قد حدثنا يزيد ، قال : حدثنا المؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

قال أبو جعفر : وأصل الحديث : بين العبد وبين الكفر .

3177 - حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا ابن لهيعة ، قال : حدثني أبو الزبير ، قال : حدثني جابر ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة .

3178 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا أحمد بن حرب ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، [ ص: 203 ] عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الكفر المذكور في هذا الحديث خلاف الكفر بالله عز وجل ، وإنما هو عند أهل اللغة أنه يغطي إيمان تارك الصلاة ، ويغيبه حتى يصير غالبا عليه مغطيا له ، ومن ذلك قيل ما ذكره لبيد :

يعلو طريقة متنها متواترا في ليلة كفر النجوم غمامها

يعني : غطى النجوم غمامها ، ومن ذلك قول الله عز وجل : كمثل غيث أعجب الكفار نباته يعني : الزراع [ ص: 204 ] الذين يغيبون ما يزرعون في الأرض ، لا الكفار بالله عز وجل .

ومن ذلك ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كسوف الشمس .

3179 - كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ورأيت أو أريت النار ، ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا : لم يا رسول الله ؟ قال : بكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله عز وجل ؟ قال : يكفرن العشير ويكفرن الإحسان ، فسمى ما يكون منهن مما يغطين به الإحسان كفرا .

ومن ذلك ما قد روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ، وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، ولم يكن ذلك على الكفر بالله عز وجل ، ولكنه ما قد ركب إيمانه وغطاه من قبيح فعله .

ومثل ذلك قوله : ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة ، هو من هذا المعنى أيضا ، والله أعلم ، حتى تصح هذه الآثار ولا تختلف .

[ ص: 205 ] وقد اختلف أهل العلم في تارك الصلاة كما ذكرنا ، فجعله بعضهم بذلك مرتدا عن الإسلام ، وجعل حكمه حكم من يستتاب من ذلك ، فإن تاب وإلا قتل ، منهم الشافعي .

ومنهم من لم يجعله بذلك مرتدا ، وجعله من فاسقي المسلمين ، وأهل الكبائر منهم ، وممن قال بذلك أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه ، وكان هذا القول أولى عندنا بالقياس ؛ لأنا قد وجدنا لله عز وجل فرائض على عباده في أوقات خواص ، منها الصلوات الخمس ، ومنها صيام شهر رمضان ، وكان من ترك صوم شهر رمضان متعمدا بغير جحد لفرضه عليه لا يكون بذلك كافرا ، ولا عن الإسلام مرتدا ، فكان مثله تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لا على الجحود بها ، ولا على كفر بها لا يكون بذلك مرتدا ، ولا عن الإسلام خارجا .

والدليل على ذلك أنا نأمره أن يصلي ، ولا نأمر كافرا بالصلاة ، [ ص: 206 ] ولو كان بما كان منه كافرا ، لأمرناه بالإسلام ، فإذا أسلم ، أمرناه بالصلاة ، وفي تركنا لذلك وأمرنا إياه بالصلاة ما قد دل على أنه من أهل الصلاة .

ومن ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أفطر في يوم من شهر رمضان متعمدا بالكفارة التي أمره بها فيه ، وفيها الصيام ، ولا يكون الصيام إلا من المسلمين .

ولما كان الرجل يكون مسلما إذا أقر بالإسلام قبل أن يأتي بما يوجبه عليه الإسلام من الصلوات الخمس ، ومن صيام رمضان ، كان كذلك يكون كافرا بجحوده لذلك ، ولا يكون كافرا بتركه إياه بغير جحود منه له ، ولا يكون كافرا إلا من حيث كان مسلما ، وإسلامه كان بإقراره بالإسلام ، وكذلك ردته لا تكون إلا بجحوده الإسلام ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية