1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله من قال لأخيه تعال أقامرك فليتصدق
صفحة جزء
[ ص: 345 ] 530 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من قال لأخيه : تعال أقامرك ، فليتصدق ، وما في حديث الأوزاعي زيادة على ذلك : فليتصدق بالقمار

3296 - قال أبو جعفر : قد روينا فيما تقدم منا في كتابنا هذا الحديث من حديث يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال لصاحبه : تعال أقامرك ، فليتصدق .

ثم وجدناه من حديث الأوزاعي ، عن الزهري ، بهذا الإسناد : فليتصدق بالقمار .

[ ص: 346 ]

3297 - كما حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا علي بن بحر بن بري ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، قال : أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال في حلفه : باللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك ، فليتصدق بالقمار .

غير أنا وجدنا هذا الحديث من حديث داود بن رشيد ، عن الوليد ، عن الأوزاعي بإضافة هذه الكلمة إلى الأوزاعي .

3298 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا داود بن رشيد ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، قال : أخبرني حميد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه ، غير [ ص: 347 ] أنه قال : قال الأوزاعي : يتصدق بالقمار .

قال أبو جعفر : فلم نجد هذه الكلمة الزائدة في حديث الأوزاعي هذا على ما في حديث يونس من أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من كلام الأوزاعي تفسيرا لمراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالصدقة عند ذلك ما هي ، ولم يكن الأوزاعي مع علمه وفضله يقول مثل ذلك تفسيرا لمراد النبي صلى الله عليه وسلم إياه بقوله : فليتصدق إلا من حيث ينطلق له أن يقوله إذ كان مثله لا يقال بالرأي ، ولا بالاستخراج ، ولا بالاستنباط .

فتأملنا معنى : فليتصدق بالقمار ، لنقف على المراد به ما هو إن شاء الله ، فوجدنا القمار حراما ، ووجدنا ما يصير إلى من يقامر من سببه حراما عليه ، واجبا عليه رده إلى من أخذه منه ، أو إلى من أعطاه إياه على ذلك القمار ، وكان المتقامران سبيلهما إذا حضرا لما يريدان من ذلك أن يكون كل واحد منهما يحضر شيئا من ماله إما أن يقمره وإما أن يقمر شيئا يضيفه إليه ، وكان وجه الصدقة التي أمر بها في ذلك هو الصدقة لما أخرجه من ذلك من ماله ليعصي الله عز وجل به ، فيصرفه في الصدقة به التي هي قربة إلى ربه عز وجل ، ليكون ذلك كفارة لما كان حاول أن يصرفه فيه مما قد حرمه عليه ، لا أنه أراد أن يتصدق بما يعود إليه من مال من قامره بما هو حرام عليه ، ومما حكمه حكم الغلول ، والله عز وجل لا يقبل صدقة من غلول ، كما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

3299 - مما قد حدثنا يزيد بن سنان ، وإبراهيم بن مرزوق ، قالا : [ ص: 348 ] حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا زائدة بن قدامة ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول .

3300 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي مليح بن أسامة ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 349 ] فقال قائل : وما دليلك على ما ذكرت ؟ وإنما فيما رويت أن يتصدق بالقمار ، والقمار ما عاد إليه من مال غيره ، لا ما أخرجه من مال نفسه مما عسى أن يعود إلى غيره ممن يقامره بقماره إياه له .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الأشياء قد تسمى بما قربت منه ، وإن لم تتحقق به ، ولم تدخل فيه ، ومن ذلك قول الله عز وجل : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف في سورة البقرة ، وفي سورة الطلاق : أو فارقوهن بمعروف ، وهن إذا بلغن أجلهن قد بن ممن طلقهن ، وانقطع أن يكون لهم عليهن رجعة ؛ لأنهن قد صرن أجنبيات ، وقد بين ذلك قوله عز وجل في الآية الأخرى من سورة البقرة : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ، فكان في ذلك ما قد دل أن ما في الآية الأولى من بلوغ الأجل إنما أريد به قرب بلوغ الأجل ، لا حقيقة بلوغ الأجل .

ومن ذلك أن المسلمين قد سموا ابن إبراهيم صلى الله عليه وسلم : إما إسماعيل ، [ ص: 350 ] وإما إسحاق صلى الله عليهما : الذبيح لقربه من الذبح وإن لم يكن ذبح ، فمثل ذلك أيضا ما ذكرنا من القمار المراد به القرب من القمار [ ص: 351 ] لا حقيقة القمار ، ومثل هذا كثير في كلام العرب ، فأمر الذي قد سمح أن يكون ما أخرجه ليملكه عليه بقماره إياه له الذي هو حرام عليه برده إلى الصدقة التي هي لله عز وجل قربة ، وعسى أن يكون له كفارة ، مما كان حاوله من عصيان الله عز وجل ، ودخوله فيما حرمه عليه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية