1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما فيه نفي انتقاض وضوئه بنومه
صفحة جزء
551 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما فيه نفي انتقاض وضوئه بنومه على الحال الذي ينتقض فيها وضوء غيره من أمته لنومه كذلك .

3429 - حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن أبي خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني ، عن قتادة ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر ، ثم نام وهو ساجد أو جالس حتى غط أو نفخ ، ثم قام إلى الصلاة ، فقلت : يا رسول الله ، إنك قد نمت ، فقال : إنما يجب الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنه إذا فعل ذلك استرخت مفاصله .

[ ص: 50 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا فيه قول ابن عباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر من قوله له فيه ، وكان ذلك عندنا - والله أعلم - على أن ابن عباس كان عنده حينئذ أن نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقف عليه منه قد نقض وضوءه حتى قال له من أجل ذلك : يا رسول الله ، [ ص: 51 ] إنك قد نمت ، وإذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده ينتقض لذلك كان نوم غيره بمثله أحرى أن يكون منتقضا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك جوابا له إياه ، وتعليما منه له : إنما يجب الوضوء على من نام مضطجعا . وأخبره بالعلة التي من أجلها يجب عليه الوضوء لذلك ، وهي استرخاء مفاصله ، وكان ذلك منه - والله أعلم - تعليما منه إياه حكم سائر الناس في ذلك سواه ; لأنه الذي يحتاج إليه حتى يستعمله في نفسه وحتى يعلمه الناس سواه .

فأما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك في نفسه فمخالف لذلك ، وقد روي ذلك عنه ، عن ابن عباس في حديث غير هذا الحديث .

3430 - وهو ما قد حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن كريب ، عن ابن عباس ، أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ليلة خالته ميمونة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شنة معلقة ، قال : فوصف وضوءه ، وجعل يقلله بيده ، ثم قام ابن عباس فصنع مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم جئت فقمت عن شماله ، فأخلفني فجعلني عن يمينه ، فصلى ، ثم اضطجع ، فنام حتى نفخ ، ثم أتى بلال فآذنه بالصبح فصلى ، ولم يتوضأ .

[ ص: 52 ] فقال قائل : فابن عباس إنما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله له : إنك قد نمت ، فكيف يجوز أن يكون جوابه إياه عن غير ذلك مما قد ذكر في الحديث الذي قد ذكر فيه ذلك .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن ذلك كان - والله أعلم - ليعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك حكم النوم الذي يحتاج إلى علمه في نفسه وفي سائر الناس سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواه ، وأن به من الحاجة إلى ذلك ما ليس به من الحاجة إلى علم حكم نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فعلمه ما به الحاجة إلى علمه ، وأرجأ ما سوى ذلك مما ليس به إليه من الحاجة ، ليعلمه إياه فيما بعد ذلك ، إما بقول يكون منه له فيه ، وإما بفعل يفعله بمحضره من ذلك الجنس ، ثم يصلي ولا يتوضأ ، فنعلم بذلك منه أن حكمه في ذلك خلاف حكم غيره من أمته ، وفي ذلك ما قد يحتمل معه أن يكون نومه على الحال التي نام عليها بمشاهدة ذلك منه في حديث كريب عن ابن عباس ، مما ذكر فيه صلاته بعد ذلك النوم على حال الاضطجاع بغير وضوء أحدثه ، فيكون صلى الله عليه وسلم قد جمع بقوله له في حديث أبي العالية وبفعله بمشاهدته منه المذكور ذلك في حديث كريب جواب ما سأله عنه ، وعسى أن يكون ذلك كله كان في ليلة واحدة حتى وقف ابن عباس على تباين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أمته في ذلك النوم على تلك [ ص: 53 ] الحال أنه ينقض وضوء غيره من أمته ، وأنه لا ينقض وضوءه صلى الله عليه وسلم .

ثم التمسنا المعنى الذي أبانه الله عز وجل به في ذلك عن سائر أمته حتى اختلف حكمه وأحكامهم في ذلك ما هو . ؟

3431 - فوجدنا يونس قد حدثنا قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالك بن أنس حدثه ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أنه أخبره ، أنه سأل عائشة أم المؤمنين : كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا ، قالت عائشة : قلت : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر ؟ قال : يا عائشة إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبي .

فوقفنا بما في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وإن نامت عيناه لم ينم قلبه ، وإذا كان قلبه لا ينام وإن نامت عيناه لم تسترخ [ ص: 54 ] مفاصله ، وإذا لم تسترخ مفاصله بذلك النوم لم ينتقض به وضوؤه ، وعقلنا بذلك أن انتقاض وضوء غيره بمثل ذلك النوم إنما كان لاسترخاء مفاصله ، فبان بحمد الله عز وجل ونعمته جميع معاني هذه الآثار التي رويناها في هذا الباب ، والمعنى الذي أبان الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم بما أبانه به فيها عن سائر أمته سواه حتى بقي له وضوؤه مع نومه ، وحتى انتقض وضوء من سواه من أمته بمثل ذلك النوم ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

[ ص: 55 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية