1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لأبي بن كعب أمرت أن أقرأ عليك القرآن
صفحة جزء
[ ص: 249 ] 572 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لأبي بن كعب : أمرت أن أقرأ عليك القرآن ، أو : أمرت أن أقرئك القرآن

3620 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرني الأجلح ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقرأ عليك القرآن ، قال : قلت : سماني لك ربك عز وجل ؟ قال : نعم . فقرأ علي : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون . بالتاء جميعا .

[ ص: 250 ] [ ص: 251 ]

3621 - حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ، قال : حدثنا ابن المبارك ، ثم ذكر بإسناده مثله .

قال : فكان في هذا الحديث إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيا رضي الله عنه أنه أمر أن يقرأ عليه القرآن ، وقد روي أن الذي كان قاله له خلاف ما في هذا الحديث .

3622 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أسلم المنقري ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، [ ص: 252 ] عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزلت علي سورة ، وأمرت أن أقرئكها ، قال : قلت له : ففرحت ؟ قال : وما يمنعني وهو يقول : بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا .

قال : فكان في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يقرئه سورة من القرآن أنزلت عليه ، وكان إسناد هذا الحديث أحسن إسنادا من الحديث الذي قبله ، لجلالة أسلم المنقري وعلو قدره في الرواية على قدر الأجلح [ ص: 253 ] فيها ، ولعلو سعيد بن عبد الرحمن في ذلك على عبد الله بن عبد الرحمن وشهرته ، وكثرة رواياته .

3623 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبيا فقال : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن . قال : الله عز وجل سماني لك ؟ فقال : الله عز وجل سماك لي . فجعل يبكي . قال قتادة : ونبئت أنه قرأ عليه : لم يكن الذين كفروا .

[ ص: 254 ] قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي ، فوافق الحديث الأول ، وكان فيه أن الذي قرأ عليه سورة من القرآن وهي : لم يكن ، فكان بذلك قارئا عليه القرآن .

3624 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عفان أيضا ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا علي بن زيد ، عن عمار بن أبي عمار ، قال : سمعت أبا حبة البدري يقول : لما نزلت : لم يكن الذين كفروا . إلى آخرها ، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إن ربك عز وجل يأمرك أن تقرئها أبيا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه [ ص: 255 ] السورة ، قال أبي : وذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فبكى أبي .

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث أن الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرئه أبيا من القرآن إنما هو سورة منه من القرآن ، وهذا جائز في اللغة أن يطلق عليه اسم القرآن موجود في كتاب الله ، فمنه قوله عز وجل : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا . وقوله : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم . وقوله : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن . وإنما كان ذلك على ما سمعوه منه لا على كله ، وقد روينا عن ابن عباس فيما تقدم منا في كتابنا هذا أن الذي كانوا سمعوه منه هو ما كان يقرؤه في صلاة الصبح ، فإن لم يكن ذكرناه ، فسنذكره فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله .

وإنما حملناه على ذكر ما جئنا به في هذا الباب أن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم كان ذكر لنا عن الشافعي أنه قال له : أدل الأشياء على أن لا سجود في المفصل من القرآن حديث أبي في جوابه عطاء بن يسار ، لما سأله عن السجود في المفصل ، فأعلمه أن لا سجود فيه .

[ ص: 256 ]

وما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا داود بن قيس الفراء ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، أنه سأل أبي بن كعب : أفي شيء من المفصل سجدة ؟ قال : لا .

قال : فأبي قد قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ، فمر بمواضع السجود فوقف على ما سجد فيه منه ، وعلى ما لم يسجد فيه منه ، فكان نفيه أن يكون في المفصل سجود ما قد دل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن سجد فيه في قراءته إياه عليه ، فنقلنا ذلك إلى ابن أبي عمران ، فقال : هذا كلام فاسد ; لأنه لو كان ما حكاه عن أبي ينفي أن يكون في المفصل سجود ; لكان ما روي عن عبد الله بن مسعود من السجود في المفصل أدل على أن فيه سجودا من ذلك ; لأن أبيا وإن كان قد قرأ عليه القرآن أو أقرأه القرآن على ما قد قيل فيما قرأه عليه ، أو فيما أقرأه إياه منه مما يوجب أن بعض القرآن لا كله ، إذ كان ابن مسعود قد حضر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل صلى الله عليه وسلم ، وهي آخر عرضة عرضها عليه .

[ ص: 257 ]

3625 - وذكر ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ابن الأصبهاني ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله النخعي ، وأبو معاوية ، ووكيع ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، قال : قال لي عبد الله بن عباس : أي القراءتين تقرأ ؟ قلت : القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد . فقال لي : بل هي الآخرة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل صلى الله عليه وسلم في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين ، فحضر ذلك عبد الله بن مسعود ، فعلم ما نسخ وما بدل .

فكان معنا في ابن مسعود في حضوره تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن كله على جبريل صلى الله عليه وسلم ، والذي مع أبي عبد الله - يعني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم - فيما قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أو فيما أقرأه [ ص: 258 ] إياه من القرآن ، ما قد روي أنه بعضه لا كله ، وقد يحتمل لو كان قرأ عليه القرآن فلم يسجد أن يكون لم يسجد وله أن يسجد ، فكيف وإنما ذكر أنه قرأ عليه منه ما لا سجود فيه ، وقد وجدنا عن ابن مسعود السجود في المفصل ، أو فيما روي عنه من السجود فيه .

فذكر ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، قال : رأيت عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود يسجدان في : إذا السماء انشقت .

فكان في هذا سجود عبد الله في المفصل ، ولا يجوز أن يسجد في غير موضع سجوده ، وقد يجوز أن يترك السجود في موضع السجود ، فإن كان في حديث أبي في نفي السجود في المفصل لأبي عبد الله دلالة على أن لا سجود فيه ، فما معنا عن ابن مسعود مما فيه إثبات السجود فيه أدل على أنه موضع السجود ; لما قد ذكرناه .

قال أبو جعفر : وما وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجود التلاوة مما قد صح عندنا عنه إلا فيما في المفصل منها لا فيما سواه من [ ص: 259 ] القرآن ، وغنينا أن نأتي بما عن ابن مسعود وابن عمر من سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ; لأن ابن عباس قد قال فيه ما قد ذكرناه عنه في هذا الباب ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية