صفحة جزء
[ ص: 310 ] 578 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصفير اللحية من كراهة ، ومن إباحة ، ومن استحسان لذلك ، وتقديم له على ما سواه

قال أبو جعفر : قد ذكرنا في حديث عبد الرحمن بن حرملة ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : العشرة الأشياء التي كان يكرهها ، وفيها : الصفرة ، وهي من تغيير الشيب ، وقد ذكرنا في تغيير الشيب بالخضاب بالحناء والكتم ما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب ، وفي ذلك ما قد دل على أن كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصفرة ، إنما كان لأن أهل الكتاب كانوا لا يفعلون ذلك ، فكان في ذلك على مثل ما كانوا عليه ، ثم أمر بخلافهم ، فخضب بالصفرة أيضا ، كذلك كان يكرهها كما كان أهل الكتاب يكرهونها حتى أمر بخلافهم ، فخضب بالصفرة ، فروي عنه صلى الله عليه وسلم فيها .

3693 - ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبيد بن جريج ، أنه قال لعبد الله بن عمر : يا أبا عبد الرحمن ، رأيتك تصبغ بالصفرة ، فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ، فأنا [ ص: 311 ] أحب أن أصبغ بها .

3694 - وما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرني عبدة بن عبد الرحيم ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : أخبرنا ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية ، ويصفر لحيته بالورس والزعفران ، وكان ابن عمر يفعل ذلك .

3695 - وما حدثنا أحمد ، قال : أخبرنا يحيى بن حكيم ، قال : [ ص: 312 ] حدثنا أبو قتيبة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن زيد بن أسلم ، عن عبيد بن جريج ، قال : رأيت ابن عمر يصفر لحيته ، فقيل له في ذلك ، فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته .

قال أبو جعفر : ففي هذا أيضا استعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفرة ، وقد روي عنه أيضا صلى الله عليه وسلم في استحسانه إياها ، وتفضيله إياها على غيرها .

3696 - وما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا محمد بن طلحة ، عن حميد بن وهب القرشي ، عن ابني طاوس ، عن أبيهما طاوس ، عن ابن عباس ، قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد خضب لحيته بالحناء ، فقال : ما أحسن هذا ! ثم مر عليه رجل بعده قد خضب بالحناء والكتم ، فقال : هذا أحسن من هذا الأول ، ومر عليه رجل قد خضب بصفرة ، فقال : هذا أحسن من هذا كله ، وكان طاوس يخضب بالصفرة .

[ ص: 313 ]

3697 - وما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا علي بن عياش الحمصي ، قال : حدثنا محمد بن طلحة ، قال : حدثني وهب بن حميد ، هكذا قال ، ثم ذكر مثله بإسناده ، غير أنه لم يذكر : وكان طاوس يخضب ، وغير أنه قال مكان ما في حديث الربيع عن ابني طاوس ، قال : حدثني بنو طاوس ، عن أبيهم .

3698 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، عن محمد بن طلحة ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يذكر فيه : وكان طاوس يخضب .

ففي هذا الحديث تقديم الصفرة على ما سواها من الأشياء التي يغير بها الشيب ، وكل الأشياء التي يغير بها الشيب من حمرة ومن صفرة فقد جاءت الآثار بإباحتها ، وأما تغييره بالسواد فقد ذكرنا في قصة أبي قحافة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم أن يجنبوه السواد .

فنظرنا في السبب الذي من أجله كره السواد .

3699 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن [ ص: 314 ] عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رفعه ، قال : يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة .

فعقلنا بذلك أن الكراهة إنما كانت لذلك ، لأنه أفعال قوم مذمومين ، لا لأنه في نفسه حرام .

وقد خضب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواد .

منهم : عقبة بن عامر .

كما حدثنا يونس ، قال : أخبرني يوسف بن عمرو بن يزيد ، عن ابن لهيعة ، عن أبي عشانة ، قال : كان عقبة بن عامر يخضب بالسواد ، ويقول :

نسود أعلاها وتأبى أصولها ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل

وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : [ ص: 315 ] قلت لابن لهيعة : أحدثكم أبو عشانة . ثم ذكر هذا الحديث ؟ فقال : لم أسمعه من أبي عشانة ، ولكن حدثنيه الليث بن سعد ، عن أبي عشانة .

قال أبو جعفر : قال لنا ابن أبي داود : لم يسمع الليث بن سعد من أبي عشانة غير هذا الحديث ، ولم يسمع ابن لهيعة من الليث غير هذا الحديث .

وقد روي عن الحسين بن علي رضي الله عنه أيضا أنه كان يخضب بالسواد .

كما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن شيبة الجدي ، قال : حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن الشعبي ، قال : دخلت على الحسين بن علي رضي الله عنه وعليه جبة خز ، وهو يحتجم في رمضان ، وقد اختضب بالسواد .

وكما حدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي ، قال : أخبرنا جعفر بن [ ص: 316 ] عون ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، قال : حدثنا العيزار بن حريث ، قال : رأيت على الحسين بن علي رضي الله عنه مطرفا من خز ، وقد خضب لحيته ورأسه بالحناء والكتم .

ففي هذا الحديث ما قد دل على أن نفس الخضاب بالسواد إنما كره خوفا مما قد ذكرناه من التشبه بالمذمومين ، لا لأنه في نفسه حرام ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية