1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام فيما كان منه في هديته إلى النجاشي
صفحة جزء
[ ص: 323 ] 57 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام فيما كان منه في هديته إلى النجاشي ومن وعده بها أم سلمة إن رجعت إليه بموت النجاشي قبل وصولها إليه ، ومن إعطائه بعد رجوعها إليه أم سلمة بعضها وسائر نسائه سواها بقيتها

347 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب قال : وحدثني مسلم بن خالد ، عن موسى بن عقبة ، عن أمه ، عن أم كلثوم ابنة أبي سلمة قالت : { لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها : إني قد أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك ، وحلة ، وإني لا أراه إلا قد مات ، ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد إلي ، فإذا ردت إلي فهو لك ، فكان كما قال : هلك النجاشي ، فلما ردت الهدية أعطى كل امرأة من نسائه وقية من ذلك المسك ، وأعطى الباقي أم سلمة ، وأعطاها الحلة } .

[ ص: 324 ]

348 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد ، حدثنا مسلم بن خالد ، فذكر مثله .

فأنكر منكر هذا الحديث ، وقال : ما فيه من قول رسول الله عليه السلام في النجاشي : " لا أراه إلا قد مات " . قد دفعه ما كان من إخبار رسول الله عليه السلام الناس بموته في اليوم الذي كان موته فيه ، وصلاته لهم عليه . وذكر في ذلك :

349 - ما قد حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : سمعت جابرا يقول : قال النبي عليه السلام : { قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش أصحمة ، فهلم فقوموا فصلوا عليه ، قال : فصففنا فصلى عليه النبي عليه السلام } .

قال أبو جعفر : أصحمة لفظة بالحبشية ، تفسيرها عطية ، وهي اسم هذا الرجل .

[ ص: 325 ]

350 - وما قد حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة : { أن رسول الله عليه السلام نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، خرج بهم إلى المصلى ، فصف بهم ، وكبر عليه أربع تكبيرات } .

351 - وما قد حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني ابن المسيب ، وأبو سلمة ، وأبو أمامة بن سهل ، عن رسول الله عليه السلام مثله . ولم يذكر أبا هريرة ولا غيره .

352 - وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة ، عن أبي هريرة ، { عن رسول الله عليه السلام : أنه نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه ، وقال : استغفروا لأخيكم } .

[ ص: 326 ]

353 - وما قد حدثنا إبراهيم ، حدثنا عبد الله ، حدثني الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني ابن المسيب : أن أبا هريرة حدثه : { أن رسول الله عليه السلام صف بهم بالمصلى ، وكبر عليه - يعني النجاشي - أربع تكبيرات } .

ففي ذلك وقوفه على موت النجاشي في اليوم الذي كان موته فيه ، فكيف يجوز أن يقول لما قد وقف على حقيقته لا أراه إلا قد كان .

قال : ويدفعه أيضا ما قد ذكر فيه من وعد رسول الله عليه السلام أم سلمة بالهدية إن ردت إليه ، وأنه لما ردت إليه أعطاها بعضها ومنعها من بقيتها ، وفي ذلك خلفه بعض ما وعدها به ، وحاش لله أن يكون ذلك من أخلاقه ؛ لأن مواعيده عليه السلام قد كانت تجري بخلاف ذلك حتى كان أبو بكر ينجزها عنه بعد وفاته عليه السلام .

فمما قد روي في ذلك :

354 - ما قد حدثنا ابن أبي عقيل ، حدثنا ابن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن { جابر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ، فلم يأت مال البحرين حتى قبض رسول الله } صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم مال البحرين قال أبو بكر : من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 327 ] دين أو عدة فليأتنا . قال جابر : فأتيته فقلت : إن النبي عليه السلام وعدني أن يعطيني هكذا ، فأعطاني أبو بكر ، ثم أتيته بعد أسأله فلم يعطني ، ثم أتيته فسألته فلم يعطني ، ثم أتيته الثالثة فقلت : قد سألتك فلم تعطني ، ثم سألتك فلم تعطني ، فإما أن تعطيني ، وإما أن تبخل عني . قال : وأي داء أدوأ من البخل ؟ ما منعتك من شيء إلا وأنا أريد أن أعطيك .

355 - وما قد حدثنا ابن أبي عقيل ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن جابر مثله قال : وحثا لي حثية ، ثم قال : عدها ، فعددتها ، فوجد بها خمس مائة . قال : خذ مثلها مرتين .

356 - وما قد حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو عاصم ، أخبرنا ابن جريج ، أخبرني ابن المنكدر ، عن جابر . وعمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، عن جابر قال : لما توفي رسول الله عليه السلام وكان أبو بكر قال عمرو : وكان له أول مال أتاه من قبل العلاء بن الحضرمي ، فقال أبو بكر : من كان له على رسول الله عليه السلام دين أو كانت له عنده [ ص: 328 ] عدة فليأتنا قال جابر : فقلت : أنا وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا وهكذا وهكذا ، ثلاث مرات ، وبسط جابر كفيه فعد لي أبو بكر خمس مائة ، وخمس مائة ، وخمس مائة . قال هذا المنكر : وإذا كانت مواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته واجبا على ولي أمره بعد وفاته إمضاؤها ، كان هو عليه السلام بذلك في حياته أولى .

فكان جوابنا له في ذلك أن الذي ذكره من إخبار رسول الله عليه السلام الناس بحقيقة موت النجاشي في اليوم الذي كان موته فيه كما ذكر .

غير أنه قد يجوز أن يكون قبل ذلك لما تأخر عنه أمر هديته ، وانقطعت عنه أخبار النجاشي فيها ، وقع بقلبه عند ذلك ما يقع مثله في قلوب من سواه من بني آدم ، فيما قد كان مما قد جرت العادة فيه بخلافه ، ما ذكر في الحديث الأول الذي قد ذكرناه في أول هذا الباب ، ثم لما أطلعه الله على حقيقة موت النجاشي في اليوم الذي كانت وفاته فيه ، كان منه ما أخبر الناس به مما ذكر في الفصل الثاني من هذا الباب ، وأما ما كان منه عليه السلام في إعطائه أم سلمة بعض الهدية التي ردت إليه ، وإعطائه بقيتها من سواها من أزواجه بعد تقدم وعده إياها بها كلها ، فإن ذلك مما قد يجوز أن تكون الهدية لما ردت إليه بذلها لأم سلمة كما كان وعدها بها ، ثم لم تقبلها إلا بإدخاله بقية نسائه معها فيها كراهية استئثارها عليهن ، كما كان من الأنصار لما دعاهم ليقطع لهم من البحرين ما أراد أن يقطعه لهم من ذلك فقالوا : لا نفعل حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين مثل الذي قطعته لنا من ذلك [ ص: 329 ] كراهية الاستئثار عليهم مما قاله رسول الله عليه السلام لهم ، وسنذكر ذلك بإسناده فيما هو أولى به ، من هذا الموضع من كتابنا هذا إن شاء الله . فكان ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أم سلمة يحتمل أن يكون على هذا المعنى ، وفي ذلك ما قد أوجب لها جلالة الرتبة ، وحسن الصحبة لصواحباتها من أزواج النبي عليه السلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية