1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية عزل الماء عن محله
صفحة جزء
[ ص: 318 ] 580 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية عزل الماء عن محله

قد ذكرنا في حديث عبد الرحمن بن حرملة ، عن ابن مسعود كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأشياء التي كان يكرهها : عزل الماء عن محله . وقد روينا عنه صلى الله عليه وسلم فيما تقدم من كتابنا هذا أنه قال في العزل : هو الوأد الخفي . وكان وجه ذلك عندنا - والله أعلم - قد يحتمل أن يكون كان على التصديق منه لأهل الكتاب فيما كانوا يقولونه مما يوافق ذلك حتى أعلمه الله عز وجل بكذبهم في ذلك ، فقال في ذلك لمن خاطبه به : كذبت يهود ، وقد ذكرنا ذلك أيضا فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، وقد ذهب قوم إلى أن نفس النطفة من الرجل فيها روح ، وكان منعها من الرحم وصرفها إلى غيره إتلافا لذلك الروح .

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا هذا أن علي بن أبي طالب قد كان قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن في كتاب الله ما يدفع ذلك ، وقرأ عليه قوله عز وجل : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، إلى قوله : ثم أنشأناه خلقا آخر ، فعجب عمر من ذلك ، وجزى عليا عليه السلام عنه خيرا .

[ ص: 319 ] وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنه أيضا مثل ذلك .

ثم تأملنا نحن ذلك فوجدنا في كتاب الله عز وجل ما ظاهره يدفع ذلك وهو قوله عز وجل : وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، فأعلمنا عز وجل أن نفخه فيه الروح إنما هو بعد أن يسويه ، وإنما تسويته يكون في أرحام النساء .

كما حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل : خلقناكم ثم صورناكم . قال : خلقناكم في أصلاب الرجال ، ثم صورناكم في أرحام النساء .

وكما حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث ، [ ص: 320 ] عن ابن عباس في قوله عز وجل : ولقد خلقناكم ثم صورناكم . قال : خلقوا في ظهر آدم ، ثم صوروا في الأرحام .

فعقلنا بذلك أن نفخ الروح : إنما يكون بعد التصوير ، وفي ذلك ما قد دل على إبطال قول من قال في النطفة ما ذكرناه . وفي حديث عبد الله بن مسعود - مما سنذكره فيما بعد من كتابنا هذا فيما هو أولى به من هذا الموضع من حديث الأعمش وسلمة بن كهيل ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله بن مسعود - ذكر نفخ الروح بعد التصوير للنطفة ، وبعدما يكون علقة ، ثم يكون مضغة .

فقال قائل : فما معنى ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل .

3700 - فذكر ما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبد الله بن محيريز الجمحي ، أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه : بينا هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار ، فقال يا رسول الله ، إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو إنكم تفعلون ذلك ، لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم ، فإنها ليست نسمة كتب الله عز [ ص: 321 ] وجل أن تخرج إلا هي خارجة .

3701 - وما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : حدثني محمد بن يحيى بن حبان ، أن ابن محيريز حدثه ، أن أبا سعيد حدثه أن بعض الناس من كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن العزل ، وذلك لشأن غزوة بني المصطلق ، فأصابوا سبايا وكرهوا أن يلدن منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما عليكم أن لا تعزلوا ، فإن الله عز وجل قدر ما هو خالق إلى يوم القيامة .

3702 - وما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، فذكر بإسناده مثله .

[ ص: 322 ]

3703 - وما قد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3704 - وما قد حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثني أسباط بن محمد ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصبنا سبيا ، فكنا نعزل عنهن ، فقال بعضنا لبعض : أتفعلون هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبكم لا تسألونه ؟ فسألوه عن ذلك ، فقال : ليس من كل الماء يكون الولد ، إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء ، فلا عليكم أن لا تعزلوا .

3705 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ، [ ص: 323 ] عن شعبة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : سمعت أبا الوداك يحدث عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما أصبنا سبي خيبر ، سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل ؟ فقال : ليس من كل الماء يكون الولد ، وإذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء .

فقال هذا القائل : فإذا كان العزل مباحا ، فكيف جاز أن يقال في هذه الآثار : إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء ، والخلق فإنما يكون من النطفة التي تصير إلى الرحم ، فإذا لم تصل إليه ، كان محالا أن يكون هناك قدر يمنع من ولد .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الله عز وجل مع لطيف قدرته قد يجوز إذا كان قد قدر أن يكون من نطفة ولد أن يوصل إلى الرحم منها ما شاء أن يوصله إليه منها مع العزل الذي يكون من صاحبها لها ، فيكون مما يوصله إليه الولد الذي قد قدر أنه يكون منها ، وقد توصل بكمالها إلى الرحم ، وقد سبق من تقديره عز وجل أنه لا يكون منها ولد فلا يكون منها ولد ، فكان الولد إنما يكون مما قد قدر عز وجل أنه يكون منه ، كان معه عزل أو لم يكن ، وكان [ ص: 324 ] العزل قد يكون ، فيكون من الله عز وجل من لطيف قدرته ما يوصل من ذلك الماء المعزول إلى الرحم ما يكون تخلق الولد منه ، فصار بذلك كل مخلوق إنما يكون بما تقدم من تقدير الله عز وجل أنه يكون لا بنفس النطفة التي قد تكون ، ولا يكون قد تقدم من الله عز وجل أنه يكون منها ولد ، فلم يجعل صلى الله عليه وسلم للعزل معنى لذلك ، وأباحه لمن شاء أن يفعله ، ولم يمنعه منه غير أنه أعلمه أن ذلك لا يمنع قدرا من الله عز وجل إن كان قد سبق فيه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية