1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف الواجب على القارن للعمرة والحج هل هو طواف واحد أو طوافان
صفحة جزء
[ ص: 453 ] 601 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف الواجب على القارن للعمرة والحج ، هل هو طواف واحد أو طوافان ؟

3838 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إذا رجعت إلى مكة ، فإن طوافك لحجك يكفيك لحجك وعمرتك .

قال أبو جعفر : هكذا وجدنا هذا الحديث من رواية عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة ، وقد وجدناه من رواية غيره عن عطاء ، عن عائشة بخلاف هذه الألفاظ ، وهم عبد الملك بن أبي سليمان ، [ ص: 454 ] وحجاج بن أرطاة ، وحبيب المعلم ، وهو حبيب بن أبي بقية .

3839 - كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا حجاج ، وأخبرنا عبد الملك ، عن عطاء ، عن عائشة ، أنها قالت : قلت : يا رسول الله ، أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري ؟ قال : انفري ، فإنه يكفيك .

قال حجاج في حديثه ، عن عطاء : فألظت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن تخرج إلى التنعيم ، فتهل منه بعمرة ، وبعث معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأهلت منه بعمرة ، ثم قدمت ، فطافت ، وسعت ، وقصرت ، وذبح عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال عبد الملك ، عن عطاء : ذبح عنها بقرة
.

3840 - وكما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : وأخبرني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن حبيب المعلم ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، [ ص: 455 ] أن عائشة حاضت ، فنسكت المناسك كلها ، غير أنها لم تطف بالبيت ، فلما طهرت ، وأفاضت ، قالت : يا رسول الله ، أتنطلقون بحجة وعمرة ، وأنطلق بالحج ، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة .

قال أبو جعفر : ففي حديث عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة ما يدل على أنها قد كانت بقيت في حرمة العمرة التي كانت قد أحرمت بها حتى حلت منها ، ومن الحجة التي كانت أحرمت بها في وقت واحد ، وفي ذلك أيضا ما قد دل على أن الطواف الذي كان منها كان للحجة وللعمرة ، كما يكون طواف القارن في حجته وعمرته لهما ، غير أن الحرف الذي في حديث ابن أبي نجيح المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها : طوافك لحجتك يكفيك لحجتك ولعمرتك . يبعد في القلوب أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن الحجة إذا كان لها طواف غير طواف العمرة ، كان لها لا للعمرة ، وإن كان الطواف لهما جميعا لم يجز أن يضاف إلى الحجة دون العمرة ، ولا [ ص: 456 ] إلى العمرة دون الحجة ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك . وفي حديث عبد الملك والحجاج ، عن عطاء ، أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري ؟ قال : ففي ذلك ما قد دل أنها لم تكن حينئذ في عمرة ، وإنما كانت في حجة لا عمرة معها ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قولها ، ففي ذلك ما قد دل أنها لم تكن حينئذ في عمرة ، فاستحال بذلك أن يكون الطواف الذي كان منها يجزئها لعمرة لم تكن فيها بعد ، فقد وقع الاختلاف على عطاء في هذا الحديث ، عن عائشة على ما ذكرنا ، فتكافأت الروايتان جميعا عنه ، ولم تكن إحداهما أولى من الأخرى إلا بدلالة تدل على ذلك من سواهما .

ثم هذا حبيب المعلم قد روى عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله في قصة عائشة ما يدل على ما روى عبد الملك ، وحجاج ، عن عطاء ، عن عائشة ، ويخالف ما روى ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة .

ثم رجعنا إلى ما روي في ذلك من غير حديث عطاء لنقف على حقيقة الأمر في ذلك المعنى إن شاء الله .

3841 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد .

3842 - ووجدنا الربيع بن سليمان المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثني الليث بن سعد ( ح ) ، ووجدنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قد حدثنا ، قال : حدثنا أبي ، وشعيب بن الليث ، قالا : أخبرنا الليث ، ثم اجتمعوا جميعا ، فقالوا : عن أبي الزبير [ ص: 457 ] عن جابر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة ، فوجدها تبكي ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني أني حضت ، وقد حل الناس ، ولم أحل ، ولم أطف بالبيت ، والناس يذهبون إلى الحج الآن ، قال : فإن هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم ، فاغتسلي ، ثم أهلي بالحج ، ففعلت ، ووقفت المواقف ، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ، ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك جميعا ، فقالت : يا رسول الله ، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، قال : فاذهب يا عبد الرحمن ، فأعمرها من التنعيم ، وذلك ليلة الحصبة .

3843 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال : حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم العبدي المؤذن ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : وأخبرني أبو الزبير ، أن جابر بن عبد الله يقول : ثم ذكر مثله .

[ ص: 458 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الأثر أن خروج عائشة كان من عمرتها ومن حجتها معا ، وذلك يشد ما رواه ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عنها في قصتها هذه ، والذي في حديث حبيب المعلم ، عن عطاء ، عن جابر في قصتها يدل على خلاف ذلك ; لأن فيه من خطابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتنطلقون بحجة وعمرة ، وأنطلق بالحج ؟ ففي ذلك ما قد دل أنها كانت في حج لا عمرة معه ; لأنها لو كانت في عمرة وحج ، لكانت هي وغيرها في ذلك سواء ، ولما كانوا يفضلونها في ذلك بشيء ، ولا احتاجت إلى عمرة بعد الحج ، وبعد العمرة اللذين كانا منها .

ثم نظرنا في قصة عائشة هذه من غير حديث جابر كيف كانت ؟ فوجدنا الأسود بن يزيد قد روى عنها فيها .

3844 - ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة ، قالت : خرجنا ولا نرى إلا الحج ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت ولم يحل ، وكان معه الهدي ، فحاضت هي ، قالت : فقضينا مناسكنا من حجنا ، فلما كانت ليلة الحصبة ليلة النفر قالت : [ ص: 459 ] يا رسول الله ، أيرجع أصحابك كلهم بحج وعمرة وأرجع أنا بحج ؟ قال : أما كنت تطوفت بالبيت ليالي قدمنا ؟ قال : فانطلقي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ، ثم موعدك كذا وكذا .

3845 - وما قد حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي ، قال : حدثنا عباس بن الوليد النرسي ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة مثله ، وزاد : ما كنت طفت ليالي قدمنا ؟ قلت : لا .

3846 - وما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3847 - وما قد حدثنا جعفر ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، [ ص: 460 ] قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، ثم ذكر نحوه .

قال أبو جعفر : ففي هذا الأثر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة : أما كنت تطوفت ليالي قدمنا ؟ وإخبارها إياه أنها لم تكن طافت ، فوجه ذلك عندنا - والله أعلم - أنها لو كانت طافت ليالي قدموا لكانت العمرة قد تمت لها ، وأنها لما لم تكن طافت حينئذ كانت بخلاف ذلك في أمرها بالاعتمار من التنعيم ، ليكون لها عمرة مع الحجة التي صارت لها ، وفي أمره إياها أن تعتمر ما قد دل على أنها قد كانت خرجت مع العمرة الأولى قبل ذلك ; لأنه لا يجوز عند أهل العلم جميعا أن تدخل عمرة على عمرة ، وإن فاعلا لو فعل ذلك لكان مسيئا ، ثم يختلفون فيما يجب عليه ، فطائفة منهم تقول : لا يلزمه وهو في حكم من لم يحرم بها ، وهو قول محمد بن الحسن ، والشافعي ، وقد روي ذلك [ ص: 461 ] عن عطاء بن أبي رباح ،

حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن ابن جريج ، عن عطاء .

وطائفة منهم تقول : قد لزمته ، فإذا عمل في الأولى صار رافضا لهذه التي أحرم بها وكان عليه لرفضها دم وعمرة مكانها ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ،

حدثناه محمد بن العباس ، عن علي بن معبد ، عن محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة .

وطائفة منهم تقول : لما أحرم بها لزمته ، وكان حينئذ رافضا لها ، وعليه دم لرفضها وعمرة مكانها ، وممن قال بذلك : أبو يوسف ،

حدثنا به محمد بن العباس ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، وقد ذكر لنا محمد في روايته هذه ، عن علي ، عن محمد أنه قول محمد أيضا .

وأما قول محمد الأخير الذي ذكرناه قبل هذا ، فإن سليمان بن شعيب الكيساني حدثناه ، عن أبيه ، عن محمد .

ولما كان إدخال العمرة على العمرة غير محمود عند جميعهم استحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة بما لا حمد فيه ، فدل ذلك أنها قد كانت خرجت من عمرتها بتركها الطواف لها ليالي قدموا ، إما بتوجهها إلى عرفة مريدة للحج ، كما تقول طائفة من أهل العلم ، منهم : أبو حنيفة في أحد قوليه : إن من أحرم بعمرة وهو في حجة أو كان [ ص: 462 ] في عمرة وحجة فتوجه إلى عرفة ولم يطف لعمرته أنه بذلك رافض لعمرته وعليه لرفضها دم وعمرة مكانها .

حدثنا بذلك من قوله سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة .

وطائفة تقول : لا يكون رافضا لها حتى يقف بعرفة بعد الزوال ، فيكون حينئذ رافضا لها ، ويكون عليه لرفضها دم وعمرة مكانها ، وهو قول أبي حنيفة الذي يخالف قوله الآخر .

حدثناه من قوله محمد بن العباس ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عنه .

فكانت عائشة رضي الله عنها رافضة لعمرتها بإحدى أمرين : إما بتوجهها إلى عرفة لحجتها ، أو بوقوفها بعرفة لحجتها ، والله عز وجل أعلم بأي ذلك كان ، فاستحال بذلك إن كانت قارنة ، وثبت أنها كانت مفردة بحجة لا عمرة معها ، إذ كانت قد خرجت من عمرتها قبل ذلك بما خرجت به منه .

فقال قائل : فقد وجدنا في حديث جابر ما يدل أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قارنة ; لأن فيه ذبحه عنها بقرة ، ولا يكون ذلك إلا لذبح عليها فيما كانت فيه وهو قرانها الحج مع العمرة .

3848 - وذكر ما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، [ ص: 463 ] أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة في حجه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عنها ما ذبح لرفضها للعمرة وخروجها منها قبل تمامها ، كما يقول من قد ذكرناه من أهل العلم في العمرة إذا رفضت قبل تمامها على رافضها دم ، وإذا احتمل الحديث ما ذكرناه لم يكن فيه دليل لك على ما ذكرت ، ثم نظرنا في قصة عائشة عنها هذه من غير رواية الأسود عنها ، فوجدنا عروة بن الزبير قد رواها عنها بما يوجب أيضا خروجها من عمرتها تلك قبل توجهها إلى عرفة وقبل إحرامها بالحج .

3849 - كما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي [ ص: 464 ] الحجة ، فأردفني في يوم عرفة ، وأنا حائض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعي عمرتك ، وانقضي شعرك ، وامشطي ، ولبي بالحج . فلما كانت ليلة البطحاء طهرت ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فذهب بها إلى التنعيم ، فلبت بالعمرة قضاء لعمرتها .

3850 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، ومحمد بن خزيمة ، قالا : حدثنا عثمان المؤذن ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كنت ممن أهل بعمرة - يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجته - فحضت ، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرني أن أنقض رأسي ، وأمتشط ، وأدع عمرتي .

3851 - وكما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، [ ص: 465 ] عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قدمنا مكة ، وأنا حائض ، فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : انقضي شعرك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة . ففعلت ، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر ، فاعتمرت ، فقال : هذه مكان عمرتك .

[ ص: 466 ]

3852 - كما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، ومالك ، عن هشام بن عروة ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يقل : فقال : هذه مكان عمرتك .

ففيما روينا ما قد دل على ما ذكرنا من خروجها كانت من العمرة التي كانت فيها قبل دخولها في الحجة التي أحرمت بها ، وفي ذلك ما قد دل على أنها في وقت طوافها كانت في حجة لا عمرة معها .

ثم نظرنا في قصتها أيضا من غير حديث الأسود وعروة كيف كانت ؟ فوجدنا القاسم بن محمد قد روى فيها أيضا ما قد دل على ذلك ، غير أنه خالفهما في شيء من حديثه إذا وقف عليه ، تبين ما هو ، ثم وافقهما في بقيته التي احتجنا إلى أن نأتي به من أجلها .

3853 - كما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا سرف ، طمثت ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : لوددت أني لم أحج العام ، [ ص: 467 ] قال : لعلك نفست ؟ قلت : نعم . قال : فإن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت ، فلما جئنا مكة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اجعلوها عمرة ، فجعل الناس إلا من كان معه الهدي ، فكان الهدي معه ، ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وذي اليسارة ، ثم أهلوا بالحج ، فلما كان يوم النحر طهرت ، فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفضت ، حتى إذا كانت ليلة الحصبة ، قلت : يا رسول الله ، أيرجع الناس بحجة وعمرة ، وأرجع بحجة ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأردفني خلفه ، حتى جئنا التنعيم ، فأهللت بعمرة جزاء عمرة الناس التي اعتمروها .

[ ص: 468 ] ففي هذا الأثر ما قد دل على خروجها كانت من العمرة الأولى التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في حجتهم التي كانوا فيها ، وعائشة كانت منهم أن يجعلوها عمرة .

ففي ذلك أيضا ما قد دل أنها لم تكن في وقت طوافها في عمرة مع الحج .

ثم نظرنا هل وافقهم على ذلك أيضا غيرهم ، فوجدنا ابن أبي مليكة قد وافقهم على ذلك .

3854 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، ثم ذكر مثل حديث بكار وابن خزيمة ، عن عثمان المؤذن ، عن ابن جريج ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها الذي ذكرناه فيما تقدم منا في هذا الباب .

وفيما ذكرنا ما يدفع ما رواه ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة في قصتها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمرها أن تنقض به شعرها وهي في حرمة [ ص: 469 ] عمرة ; لأن في ذلك ما يسقط شعرها ، ولا يأمرها أن تمتشط ، لا سيما والأغلب في الامتشاط أنه يكون بالطيب أو بما يمنع من الإحرام سواه ، وفيه ما هو أدل من هذا ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : هذه مكان عمرتك ، أو : هذه قضاء من عمرتك . ولا يكون الشيء مكان الشيء ، ولا قضاء منه ، إلا وقد كان ذلك الشيء معقودا قبله .

ثم رجعنا إلى طلب الحكم في ذلك من غير حديث عائشة ومن غير قصتها التي ذكرنا .

3855 - فوجدنا الربيع المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير ، فقيل له : إن الناس كائن بينهم قتال ، وإنا نخاف أن يصدوك ، فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، إذن أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ، ثم خرج حتى إذا كان بظهر البيداء ، قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ، إني أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، وأهدى هديا اشتراه بقديد ، فانطلق يهل بهما جميعا ، حتى قدم مكة ، فطاف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم ينحر ، ولم يحلق ، ولم يقصر ، ولم يحل من شيء حرم عليه حتى كان يوم النحر ، فنحر ، وحلق ، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 470 ] هكذا حدثناه الربيع عن شعيب عن الليث .

3856 - وأما يزيد بن سنان فحدثناه ، قال : حدثني أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني نافع ، فذكر مثله ، وزاد : وقال : كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذان مختلفان ; لأن ما في رواية شعيب من قوله ، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون من قول نافع ، فيعود إلى الانقطاع ، وما في حديث أبي صالح يخبر أنه من كلام ابن عمر ، فيعيده إلى الإيصال .

فقال قائل : ففي هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لعمرته ولحجته طوافا واحدا .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن سالما قد رواه عن ابن عمر ما يخبر به ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجته تلك متمتعا لا قارنا .

3857 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، وابن أبي داود ، قالا : حدثنا [ ص: 471 ] عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم ، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، وساق الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج .

قال أبو جعفر : فهذا يخبر أن طواف العمرة قد كان قبل طواف الحجة ; لأن التمتع هكذا يفعل ، ولأن إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجة إنما كان بعد ما طاف للحجة التي تحولت عمرة .

3858 - كما حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلنا على جابر بن عبد الله ، فسألته عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس بالعاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجنا حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، أهل بالتوحيد ، [ ص: 472 ] وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ، قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا كنا آخر الطواف على المروة ، قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان ليس معه هدي ، فليحل ، وليجعلها عمرة ، فحل الناس ، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان معه الهدي .

ففي ذلك ما قد دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف الطواف الذي عاد إلى العمرة قبل ذلك ، فكانت عمرته صلى الله عليه وسلم قد طاف لها حينئذ ، وعقلنا بذلك أن الطواف الذي طافه بعد أن رجع إلى منى كان طوافا لحجته لا لعمرته ; لأن المتمتع يطوف قبل أن يخرج إلى منى لعمرته أو لعمرته وحجته على ما يختلف في ذلك ، لا طواف لعمرته غير ذلك الطواف ، ثم يكون الطواف الذي يطوفه بعد أن يرجع من منى إنما هو لحجته لا لعمرته ، فاستحال أن يكون ابن عمر يريد بقوله : وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : كان طاف طوافا واحدا لعمرته وحجته ; لأن ذلك الطواف الذي كان منه إنما كان منه لحجته ; لأن عمرته قد طاف [ ص: 473 ] لها مرة ، وإنما للعمرة طواف واحد ، والحج له طوافان : طواف عند القدوم إلى مكة ، وطواف بعد الرجوع من منى .

فقال هذا القائل : فقد روي عن عائشة ما قد دل على أن القارن يطوف لحجته وعمرته طوافا واحدا لا طوافين ، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين جمعوا الحج والعمرة كذلك طافوا .

3859 - وذكر ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ، فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة ، فلما قضينا الحج ، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فاعتمرت ، فقال : هذه مكان عمرتك ، قالت : فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا لهما طوافا واحدا .

قال : فهذه عائشة تخبر في هذا الحديث أن الذين جمعوا الحج والعمرة إنما طافوا لهما طوافا واحدا .

[ ص: 474 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمتع في حجته تلك .

3860 - كما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج ، وتمتع الناس به بمثل الذي أخبرني به سالم بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني حديثه الذي ذكرناه في ذلك فيما تقدم منا في هذا الباب .

وإذا كان فيها متمتعا كان طوافه لعمرته إنما يكون عند قدومه ، وطوافه الذي يكون منه بعد أن يرجع من منى إنما يكون لحجته دون عمرته ، فاحتمل بذلك أن يكون قول عائشة : فإنما طافوا لهما طوافا واحدا ; أي : طوافا واحدا للإحرام الذي كانوا فيه كان ذلك الطواف للحجة لا للعمرة ، ومما قد حقق أن الطواف للقارن طوافان أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته تلك ، ومذهبه في طواف القارن أنه طوافان .

كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم أو مالك بن الحارث ، عن أبي نصر ، قال : أهللت بالحج ، فأدركت عليا ، فقلت له : إني [ ص: 475 ] أهللت بالحج ، فأستطيع أن أضيف إليه عمرة ؟ قال : لا ، لو كنت أهللت بالعمرة ، ثم أردت أن تضم إليها الحج ضممته . قال : قلت له : كيف أصنع إذا أردت ذلك ؟ قال : تصب عليك إداوة من ماء ، ثم تحرم بهما جميعا ، وتطوف لكل واحدة منها طوافا .

وكما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني منصور ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي نصر السلمي ، عن علي رضي الله عنه ، مثله .

قال أبو داود : قال قيس : قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد ، [ ص: 476 ] فقال : ما كنت أفتي الناس إلا بطواف واحد ، فأما الآن ، فلا .

وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان - يعني الأعمش - ، عن إبراهيم بإسناده مثله .

وكما حدثنا محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن مالك ، عن أبي نصر مثله .

قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : ما كنت لأفتي الناس إلا بطواف واحد ، فأما الآن فلا .

وكما حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، قال : حدثنا الخصيب ، قال : حدثنا يزيد بن عطاء ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ومالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن أذينة ، قال : سألت عليا رضي الله عنه ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 477 ] قال : فعقلنا بذلك أن أبا نصر هذا هو عبد الرحمن بن أذينة ، فاستحال أن يكون علي يأمر بخلاف ما فعلوه مع النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد روي عن ابن مسعود مثل ذلك ، وقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجته ،

كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن الحكم ، عن زياد بن مالك ، عن علي ، وعبد الله ، قالا : القارن يطوف طوافين ، ويسعى سعيين .

[ ص: 478 ] قال أبو جعفر : وإذا كان لا طواف للعمرة إلا طواف القدوم ، وطواف الحجة للقدوم ليس بالطواف لها بعد الرجوع من منى ; لأن الطواف لها بعد الرجوع من منى هو الفرض ، والطواف للعمرة الذي هو الفرض فيها هو الطواف عند القدوم ، فكان موضعهما مختلفا ، عقلنا بذلك أن من جمع الحج والعمرة قد جمع إحرامين الطواف لكل واحد منهما في وقت غير الوقت الذي يكون فيه الطواف الآخر منهما ، فعقلنا بذلك أنهما طوافان ، لا طواف واحد ، وبالله عز وجل التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية