1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لبني النضير لما أمر بإجلائهم من المدينة
صفحة جزء
[ ص: 56 ] 663 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لبني النضير لما أمر بإجلائهم من المدينة عند قولهم له : إن لنا ديونا لم تحل : " ضعوا وتعجلوا "

4277 - حدثنا عبد السلام بن أحمد بن سهيل البصري أبو بكر إملاء من أصله ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي ، حدثنا محمد بن علي بن يزيد بن ركانة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم ، فقالوا : يا نبي الله ، إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضعوا وتعجلوا .

[ ص: 57 ] قال أبو جعفر : وبنو النضير هؤلاء هم أشراف اليهود ، وكانوا ينزلون المدينة .

4278 - كما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم - قال الربيع : حدثنا شعيب بن الليث ، وقال محمد : أنبأني أبي وشعيب - عن الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداهم : " يا معشر يهود ، أسلموا تسلموا " فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك أريد ، أسلموا تسلموا " ، قالوا : قد بلغت يا أبا القاسم ، قال : " ذاكم أريد " ، ثم قالها الثالثة ، فقال : " اعلموا أن الأرض لله ولرسوله ، وإني أريد إخراجكم من هذه الأرض ، فمن وجد منكم بماله [ ص: 58 ] شيئا فليبعه ، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله .

قال أبو جعفر : وهم الذين كانت نساء الأنصار في الجاهلية إذا أردن أن يهودن من أولادهن من يردن تهويده منهم هودوه فيهم .

4279 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : لا إكراه في الدين قال : كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد ، فتحلف في الجاهلية : لئن عاش لها ولد لتهودنه ، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار ، فقالت الأنصار : يا رسول الله ، أبناؤنا ! فأنزل الله عز وجل : لا إكراه في الدين ، قال سعيد : فمن [ ص: 59 ] شاء لحق بهم ، ومن شاء دخل في الإسلام .

4280 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله عز وجل : لا إكراه في الدين ، قال : نزلت هذه الآية في الأنصار خاصة ، قلت : خاصة ؟ قال : خاصة ، قال : كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت مقلاتا تنذر إن ولدت ولدا تجعله في اليهود تلتمس بذلك طول بقائه ، فجاء الإسلام وفيهم منهم ، فلما أجليت بنو النضير قالوا : يا رسول الله ، أبناؤنا وإخواننا منهم ، قال : [ ص: 60 ] فسكت عنهم ، فأنزل الله تعالى : لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خيروا أصحابكم ، فإن اختاروكم فهم منكم ، وإن اختاروهم فهم منهم ، قال : فأجلوهم معهم .

فاختلف شعبة وأبو عوانة على أبي بشر في إسناد هذا الحديث ; فتجاوز به شعبة سعيد بن جبير إلى ابن عباس ، وأوقفه أبو عوانة على سعيد بن جبير .

قال أبو جعفر : وهم خلاف يهود خيبر الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملهم عليها بشطر ما تخرج نخلها وأرضها ، وأقاموا فيها على ذلك حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه منها على ما ذكرنا في ذلك من المزارعة بشطر ما تخرج الأرض فيما قد تقدم منا في كتابنا هذا . ثم تأملنا الحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، فوجدنا إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني النضير ، عند إجلائه إياهم أن يضعوا بعض ديونهم الآجلة ، ويتعجلوا بقيتها ، وكان هذا الباب مما قد اختلف أهل العلم فيه ، فأجازه بعضهم ، منهم عبد الله بن عباس . [ ص: 61 ]

كما حدثنا أحمد بن الحسين الكوفي قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : [ عن ] عمرو ، عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يقول : عجل لي ، وأضع عنك .

وكرهه بعضهم ، وهو عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت .

كما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن عثمان بن حفص بن عمر بن خلدة ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر سئل عن الرجل يكون له الدين على رجل دين إلى أجل فيضع عنه صاحب الحق ، ويعجل له الآخر ، فكره ذلك عبد الله بن عمر ، ونهى عنه .

وكما حدثنا يونس قال : أنبأنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن أبي [ ص: 62 ] الزناد ، عن بسر بن سعيد ، عن عبيد أبي صالح مولى السفاح أنه قال : بعت بزا لي من أهل دار نخلة ومن أهل السوق إلى أجل ، ثم أردت الخروج إلى الكوفة فعرضوا علي أن أضع عنهم وينقدوني ، فسألت عن ذلك زيد بن ثابت ، فقال : لا آمرك أن تأكل من ذلك ولا أن توكله .

وكما حدثنا أحمد بن الحسن أنه سمع سفيان يقول : أبو الزناد ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت أنه سئل ، عن ذلك فكرهه ، وقال : لا تأكله ولا توكله ، ولم يذكر أحمد في حديثه عبيدا أبا صالح .

وكما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، [ ص: 63 ] حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا جعفر يعني ابن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأله فقال : إن لي دينا على رجل إلى أجل ، فأردت أن أضع عنه ويعجل الدين لي ، فقال عبد الله : لا تفعل .

فقال قائل : أفتجعلون حديث ابن عباس الذي ذكرتموه في أول هذا الباب حجة لمن أجاز المعنى المذكور فيه على من كرهه ؟

فكان جوابنا له في ذلك أنه لا حجة فيه عندنا لمن ذهب إلى إطلاق ذلك على من ذهب إلى كراهته ; لأنه قد يجوز أن يكون كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منه من ذلك قبل تحريم الله عز وجل الربا ، ثم حرم الربا بعد ذلك فحرمت أسبابه ، وهذه مسألة في الفقه جليلة المقدار منه ، يجب أن تتأمل حتى يوقف على الوجه فيها إن شاء الله ، وهي حطيطة البعض من الدين المؤجل ، ليكون سببا لتعجيل بقيته ، فكره ذلك من كرهه ممن ذكرنا ، وأطلقه من سواه ممن وصفنا .

وكان الأصل في ذلك أن الأمر لو جرى في ذلك بين من هو له وبين من هو عليه بالوضع والتعجيل على أن كل واحد منهما مشروط في صاحبه ، كان واضحا أن ذلك لا يجوز ، وأنه كالربا الذي جاء القرآن بتحريمه وبوعيد الله عز وجل عليه ، وهو أن الجاهلية كانوا يدفعون إلى من لهم عليهم الدين العاجل ما يدفعونه إليهم من أموالهم حتى يؤخروا عنهم [ ص: 64 ] ذلك الدين العاجل إلى أجل يذكرونه في ذلك التأخير ، فيكونون بذلك مشترين أجلا بمال ، فحرم الله ذلك ، وأوعد عليه الوعيد الذي جاء به القرآن ، فكان مثل ذلك وضع بعض الدين المؤجل لتعجيل بقيته في أن لا يجوز ذلك ، لأنه ابتياع التعجيل بما يتعجل منه بإسقاط بقية الدين الذي سقط منه ، فهذا واضح أنه لا يجوز ، وممن كان يذهب إلى ذلك من أهل العلم أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد .

كما حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا علي بن معبد ، أنبأنا محمد بن الحسن حدثنا يعقوب ، عن أبي حنيفة بما ذكرنا ولم يحك بينهم في ذلك خلافا .

وكما حدثنا يونس ، أنبأنا ابن وهب ، عن مالك بهذا المعنى أيضا .

وممن كان يذهب إلى خلاف ذلك زفر بن الهذيل .

كما حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، حدثنا الحسن بن زياد قال : قال زفر في رجل له على رجل ألف درهم إلى سنة من ثمن متاع أو ضمان فصالحه منها على خمس مائة نقدا : إن ذلك جائز .

وقد كان الشافعي رحمه الله قد أجاز ذلك مرة كما ذكره لنا المزني عنه ، قال : ولو عجل المكاتب لمولاه بعض الكتابة على أن يبرئه من الباقي لم يجز ، ورد عليه ما أخذ ، ولم يعتق ; لأنه أبرأه مما لم يبرأ منه ، قال المزني : قد قال في هذا الموضع : ضع وتعجل لا يجوز [ ص: 65 ] وأجازه في الدين .

قال أبو جعفر : وأما إذا كان ذلك الوضع والتعجيل ليس واحد منهما مشروطا في صاحبه ، ولكنه على وضع مرجو به التعجيل لبقية الدين ، فذلك بخلاف الباب الأول ، ولا يجوز في المعقول إبطاله بالحكم ، ولكنه مكروه غير محكوم بإبطاله ، كما يكره القرض الذي يجر منفعة ، ولا يحكم بإبطاله لذلك ، فهذا وجه هذا الباب بإيقاع الصلح على اشتراط التعجيل في الوضع ، وفي الوضع المرجو به تعجيل بقية الدين بغير اشتراط له في ذلك الوضع . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية