1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخييره بريرة بين فراق زوجها وبين المقام معه
صفحة جزء
[ ص: 185 ] 677 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخييره بريرة بين فراق زوجها وبين المقام معه : هل كان ذلك للعتاق الذي وقع عليها على كل أحوال زوجها من حرية أم من عبودية خاصة دون الحرية

حدثنا علي بن شيبة ، أنبأنا يزيد بن هارون ، أنبأنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا .

[ ص: 186 ]

4373 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا قبيصة بن عقبة ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان زوج بريرة حرا ، وأنها خيرت فاختارت نفسها .

[ ص: 187 ]

4374 - وحدثنا عبد الملك بن مروان الرقي قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : كان زوج بريرة حرا ، فلما عتقت ، خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاختارت نفسها .

حدثنا أبو أمية ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا مولى لآل أبي أحمد .

[ ص: 188 ] قال أبو جعفر : وفي هذه الآثار ، عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا يوم خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنه كان عبدا .

كما حدثنا أبو أمية ، حدثنا معلى بن منصور ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثني هشام بن عروة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن بريرة أعتقت حين أعتقتها عائشة ، وإن زوجها كان عبدا . [ ص: 189 ]

وكما حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا إسماعيل بن سالم ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ( ح ) ، وكما حدثنا ابن أبي عمران ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان زوج بريرة عبدا .

وكما حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي ، حدثنا هشام بن عروة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان عبدا .

[ ص: 190 ] فأدخل الدراوردي بين هشام بن عروة وبين الذي بعده في إسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن القاسم ، فعاد إلى القاسم عن عائشة ، ووافق الدراوردي حاتم بن إسماعيل في ذلك وخالفه جرير فيه .

ففي هذه الآثار خلاف ما في الآثار الأول في زوج بريرة .

فقال بعض الناس : فقد روي عن عائشة في غير هذه الآثار ما يدل على صحة ما في هذه الآثار ، فذكر في ذلك .

4375 - ما قد حدثنا يزيد بن سنان ، وثبتني فيه القاسم بن جعفر عنه ، قال : حدثنا أبو علي الحنفي ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب قال : سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنه كان لها غلام وجارية زوج ، فقالت : يا رسول الله ، إني أريد أن أعتقهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فابدئي بالرجل قبل المرأة .

[ ص: 191 ] قال : ففي ذلك ما قد دل على أن زوج بريرة كان عبدا ، وعلى أن الأمة لا خيار لها إذا أعتقت وكان زوجها حرا .

فكان جوابنا له في ذلك أن هذا معقول فيه أن الذكر من هذين المملوكين هو غير زوج بريرة ، وأن الأنثى التي فيه كانت غير بريرة ، لأن عائشة إنما اشترتها فأعتقتها ، ولم تكن في ملكها قبل ذلك . وتأملنا هذا الحديث ، فوجدناه مما يبعد قبوله من القلوب ، لأنه محال أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر فيه حياطة لواحد من اثنين وغير حياطة الآخر منهما ، وأن يأمر بعتاق يبطل حق الزوجة التي من شريعته وجوب ذلك الحق لها إذا أعتقت ، ويحوط الزوج بأن لا يجب عليها ذلك الاختيار لزوجته ، ولكنه عندنا - والله أعلم - أراده منه من عائشة رضي الله عنها أن يكون منها في مملوكيها صرفهما إلى صلة رحمها بهما ، وأن ذلك أولى بها من العتاق لهما ، كما قد روي عنه مما قد كان قاله لزوجته ميمونة لما أعتقت جارية لها .

4376 - كما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا أسد ، حدثنا ابن لهيعة حدثنا بكير بن الأشج ، عن كريب مولى ابن عباس قال : سمعت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : أعتقت وليدة لي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لو أعطيتيها أخوالك كان أعظم لأجرك .

[ ص: 192 ]

4377 - وكما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد ، حدثنا محمد بن خازم ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ميمونة مثله .

[ ص: 193 ] واحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرت عائشة من النية في العتاق ما حضرها ، أمرها أن تعتق من مملوكيها أعظمهما ثوابا في العتق ، لأن عتاق الذكر أفضل من عتاق الإناث على ما في حديث مرة بن كعب الذي قد ذكرناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، وأرجأ أمر الجارية لترتئي فيها بين حبسها وبين الصلة بها من عساه أن يصله بها من ذوي أرحامها .

ثم نظرنا ، هل روي في زوج بريرة عن غير عائشة شيء أم لا ؟

4378 - فوجدنا علي بن عبد الرحمن قد حدثنا قال : حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا ، فقضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع قضايا : أن مواليها اشترطوا الولاء ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعطى الثمن ، وخيرها ، وأمرها أن تعتد ، وتصدق عليها بصدقة فأهدت منها إلى عائشة ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : هو لنا هدية ، ولها صدقة .

[ ص: 194 ]

4379 - ووجدنا صالح بن عبد الرحمن قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته ، فكلم له العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : زوجك وأبو ولدك ! " فقالت : أتأمرني به يا رسول الله ؟ فقال : " إنما أنا شافع ، فقالت : إن كنت شافعا فلا حاجة لي فيه ، واختارت نفسها ، وكان يقال له : مغيث ، وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم .

[ ص: 195 ] قال أبو جعفر : ففي هذا عن ابن عباس بلا اختلاف عنه أنه كان عبدا ، ولما وقع هذا الاختلاف في هذا المعنى وجب تصحيح ما روي فيه ، إذ كنا نجد السبيل إلى ذلك ، فوجب أن يكون قد كان عبدا في حال وكان حرا في حال آخر ، فكانت حال العبودية قد تكون بعدها الحرية ، وحال الحرية لا يكون بعدها العبودية ، فجعلناه قد كان عبدا في البدء ثم صار حرا بعد ذلك في الحال التي خيرت زوجته بين المقام عنده وبين فراقه ، ثم رجعنا إلى ما يوجبه النظر في ذلك فوجدنا الأمة لمولاها أن يزوجها في حال ملكه لها ممن رأى من الأحرار ومن المماليك ، ووجدناه إذا أعتقها ولها زوج مملوك قد كان زوجها إياه أن لها الخيار في فراقه وفي المقام عنده ، واختلفوا إذا كان حرا ; فقال بعضهم : هو كذلك أيضا ، وممن قال ذلك منهم : أبو حنيفة ، والثوري ، وأصحابهما جميعا ، وقال بعضهم : لا خيار لها في فراقه ، وممن قال ذلك منهم : مالك ، وعامة أهل الحجاز .

واعتل لهم معتل ، فقال : إنما جعل لها الخيار إذا كان زوجها عبدا ، لأنه لا يستطيع تزويج بناتها ولا تحصينها كما يحصنها الحر ، فجعل لها الخيار لذلك بين فراقه وبين المقام معه ، فكان لمخالفيهم عليهم في ذلك من رد الأمر الذي له خيرت في ذلك أنه إنما هو [ ص: 196 ] لملكها نفسها ، فجعل لها إمضاء ما قد عقده مولاها عليها ورفعه عن نفسها ، وخولف في ذلك بينها وبين الصبية إذا زوجها أبوها قبل بلوغها ثم بلغت ، فلم يجعل لها خيار في فراق من كان أبوها زوجها إياه ، حرا كان أو عبدا .

ولما استوى الحكم فيمن كان أبوها زوجها إياه ، حرا كان أو عبدا ، في حال ولايته عليها من الأحرار ومن المماليك في أن لا خيار لها في فراقه ، كان كذلك الأمة إذا أعتقت ، فرجع أمرها إليها يستوي حكمها فيما كان مولاها عقده عليها في حال ملكه لها من الأحرار ومن المماليك ، فكما كان لها الخيار في المماليك منهم فكذلك يكون لها الخيار في الأحرار منهم .

قال : فقال قائل : ففي حديث هشام بن عروة .

4380 - فذكر ما قد حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا إسماعيل بن سالم ، حدثنا جرير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان زوج بريرة عبدا ، ولو كان حرا لم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فكان جوابنا له في ذلك أنا لا ندري من صاحب هذا الكلام من رواة هذا الحديث ، هل هو عن عائشة ؟ أو من دونها منهم ؟ ولما [ ص: 197 ] لم نعلم أنه من عائشة فنجعله قول صحابي لا مخالف له فيه ، واحتمل أن يكون من قول تابعي وهو رأيه عنها ، أو من قول من هو دونه من رواة هذا الحديث .

ثم نظرنا ، هل روي عن أحد من التابعين شيء يوجب الخيار لهذه المعتقة أم لا . ؟

فوجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : للأمة الخيار إذا أعتقت ، وإن كان زوجها رجلا من قريش .

فإن كان عروة هو الذي قال ما في الحديث الذي رويناه قوبل قوله في ذلك بقول طاوس الذي يخالفه . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية