1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تركه عقوبة حاطب بن أبي بلتعة على ما كان منه في كتابه إلى أهل مكة من كفار قريش يخبرهم ببعض
صفحة جزء
[ ص: 268 ] 687 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تركه عقوبة حاطب بن أبي بلتعة على ما كان منه في كتابه إلى أهل مكة من كفار قريش يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

4436 - حدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا أبو زميل ، حدثني عبد الله بن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، فبعث عليا والزبير في أثر الكتاب ، فأدركا امرأة ، فأخرجاه من قرن من قرونها ، فأتيا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرئ عليه ، فأرسل إلى حاطب ، فقال : يا حاطب ، أنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : " فما حملك على ذلك ؟ " قال : يا رسول الله ، أما والله إني لناصح لله ولرسوله ، ولكني كنت غريبا في أهل مكة ، وكان أهلي بين ظهرانيهم ، فخشيت عليهم ، فكتبت كتابا لا يضر الله ورسوله شيئا ، وعسى أن يكون فيه منفعة لأهلي . قال عمر : فاخترطت سيفي ، ثم قلت : يا رسول الله ، أمكني من حاطب ، فإنه قد كفر ، لأضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا ابن الخطاب ، وما [ ص: 269 ] يدريك ؟ لعل الله اطلع على هذه العصابة من أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم " .

4437 - وحدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : أخبرني الحسن بن محمد بن علي أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول : سمعت عليا يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد ، فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها ، فانطلقنا ، تتعادى بنا خيلنا ، حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لنقلبن الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس مكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا حاطب ، ما هذا ؟ " [ ص: 270 ] فقال : يا رسول الله ، لا تعجل علي ، فإني كنت امرأ ملصقا - يقول : كنت حليفا - ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتسبب إليهم ، وأتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقكم " ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : " أما إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك ؟ لعل الله جل جلاله قد اطلع على من شهد بدرا ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم " .

4438 - وحدثنا أحمد بن داود ، أنبأنا سهل بن بكار ، حدثنا أبو عوانة ، عن الحصين ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام وأبا مرثد - وكلنا فارس - قال : انطلقوا حتى تبلغوا روضة كذا وكذا ، فإن ثم امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين ، فأتوني بها " ، فانطلقنا على أفراسنا ، فأدركناها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تسير على بعير لها ، وكتب معها إلى أهل مكة في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، قلنا : أين الكتاب الذي معك ؟ قالت : ما معي كتاب ، فأنخنا بها بعيرها ، وابتغينا في رحلها ، فلم نجد شيئا ، فقال صاحباي : ما نرى معها شيئا ، قال : قلت : لقد علمنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بالذي أحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك ، [ ص: 271 ] فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء ، فأخرجت الكتاب ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا رسول الله ، إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، دعني أضرب عنقه . فقال : " ما حملك على ما صنعت ؟ " فقال : ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ، غير أني أردت أن تكون لي يد عند القوم يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس من أصحابك أحد إلا له من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله ، فقال رسول الله [ ص: 272 ] صلى الله عليه وسلم : " صدق ، لا تقولوا له إلا خيرا " ، فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ، إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، دعني أضرب عنقه ، فقال : " وما يدريك ؟ لعل الله تعالى نظر إلى أهل بدر نظرة ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد وجبت لكم الجنة " ، فاغرورقت عيناه ، وقال : الله ورسوله أعلم .

4439 - وحدثنا فهد قال : حدثنا يوسف بن بهلول ، ثنا عبد الله بن إدريس ، حدثني الحصين بن عبد الرحمن ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، ثم ذكر هذا الحديث .

[ ص: 273 ]

4440 - وحدثنا الربيع المرادي ، حدثنا شعيب بن الليث . وحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرني أبي وشعيب بن الليث ، ثم اجتمعا ، فقالا : حدثنا الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنه أخبره أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة كتابا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد غزوهم ، فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرأة التي معها الكتاب ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ كتابها من رأسها ، فقال : يا حاطب ، أفعلت ؟ " قال : نعم ، أما إني لم أفعله غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا ، قد علمت أن الله تعالى مظهر رسوله ، ومتمم له أمره ، غير أني كنت غريبا بين ظهرانيهم وكانت والدتي معهم ، فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، فقال عمر رضي الله عنه : ألا أضرب رأس هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " أتقتل رجلا من أهل بدر ؟ وما يدريك ؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم " .

فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركه العقوبة على حاطب عليه وعلى المؤمنين فيما كان منه ؟ فإن قلتم : لأنه قد [ ص: 274 ] كان من أهل بدر ، وقد سبق لهم من الله ما سبق ، قيل لكم : قد سبق لهم من الله ما سبق ، وليس ذلك بدافع عنهم العقوبات على ذنوبهم التي يذنبونها أن تقام عليهم ، وذكر في ذلك .

4441 - ما قد حدثنا فهد ، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، حدثني يحيى بن فليح بن سليمان ، عن ثور يعني ابن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : لو فرضنا لهم حدا ، فتوخى نحوا مما كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو بكر رضي الله عنه يجلدهم أربعين حتى توفي ، ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك ، حتى أتى رجل من المهاجرين الأولين وقد شرب ، فأمر به أن يجلد ، فقال : لم تجلدني ؟ بيني وبينك كتاب الله عز وجل ، فقال عمر : وأين في كتاب الله تجد أن لا أجلدك ؟ فقال : إن الله تعالى يقول في كتابه : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا ، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد ، فقال عمر : ألا تردون عليه ما قال ؟ فقال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات أنزلت عذرا للماضين وحجة على الباقين ، فعذر الماضون بأنهم لقوا الله قبل أن يحرم عليهم الخمر ، وحجة على الباقين لأن الله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام الآية ، ثم قرأ الآية كلها ، فإن كان [ ص: 275 ] من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا - فإن الله نهى أن يشرب الخمر ، فقال عمر رضي الله عنه : صدقت ، ثم قال عمر : فماذا ترون ؟ قال علي رضي الله عنه : نرى أنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون جلدة ، فأمر عمر ، فجلد ثمانين .

[ ص: 276 ] قال : فقدامة قد كان له من بدر في شهوده إياها كما كان لحاطب في مثل ذلك ، ولم ير عمر ولا علي ولا من كان بحضرتهما دفع العقوبة عنه لذلك على جرمه الذي كان منه .

فكان جوابنا له في ذلك أن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بإقالة ذوي الهيئات عثراتهم إلا في حد من حدود الله تعالى ، وكان حاطب لشهوده بدرا ، ولما كان عليه من الأمور المحمودة من ذوي الهيئة ، ولم يكن الذي أتى مما يوجب حدا ، إنما يوجب عقوبة ليست بحد ، فرفعها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان معه من الهيئة ، وكان الذي كان من قدامة فيه حد لله فلم يرفعه عمر ولا علي ، ولا من سواهما لهيئته ، لأن الهيئة إنما ترفع العقوبات التي ليست حدودا ، ولا ترفع العقوبات التي هي حدود ، ولذلك روينا فيما تقدم منا في كتابنا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ، إلا في حد من حدود الله " ، فبان بحمد الله ونعمته أن هذه الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عن أصحابه يوافق بعضها بعضا ولا يخالف بعضها بعضا ، ويشد بعضها بعضا ، لا يخالفه ولا يدفعه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية