1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدود أهل الكتاب في الزنى وهل هي الرجم وهل هو باق فيهم إلى يوم القيامة
صفحة جزء
[ ص: 442 ] 711 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدود أهل الكتاب في الزنى ، وهل هي الرجم ؟ وهل هو باق فيهم إلى يوم القيامة ؟ أو قد نسخ ذلك وأعيد إلى غيره ؟

قال أبو جعفر : قال قائل : فقد رويت في الباب الذي قبل هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجمه لليهودي الذي رجمه للزنى الذي كان منه في حديثي جابر والبراء اللذين رويتهما فيه ، فلم تركهما من تركهما من أهل العلم ، منهم أبو حنيفة والثوري وزفر وأبو يوسف ومحمد ، وقالوا : لا يرجم أهل الكتاب في الزنى ، وقد وقفوا على هذين الأثرين وما سواهما مما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ؟ وذكروا

4542 - ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس أخبره ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة من شأن الرجم ؟ " فقالوا : نفضحهم ويجلدون ، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم ، إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها ، [ ص: 443 ] فوضع يده أحدهم على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده ، فإذا فيها آية الرجم ، قالوا : صدق يا محمد ، فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجما . قال ابن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة .

قال أبو جعفر : فكان جوابنا له في ذلك أن الذي له تركوا رجم الزناة من أهل الكتاب بعد وقوفهم على هذه الآثار ، وما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أن الحكم كان عندهم في اليهود ، يعني في حد الزنى [ ص: 444 ] في التوراة ، الذي من أجله رجم النبي صلى الله عليه وسلم من رجمه من اليهود المذكورين فيها إنما هو بالزنى خاصة كان معه إحصان أو لم يكن معه إحصان ، وكان الدليل عندهم على ذلك سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود : " ما تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ " فأجابوا بما أجابوه به مما ذكر ، يعني في الآثار التي قد ذكرناها في ذلك ، ولم يكن في سؤاله صلى الله عليه وسلم إياهم ذكر زان محصن ، ولا ذكر زان غير محصن ، وكذلك كان في جوابهم إياه عن ذلك ليس فيه ذكر زنى من محصن ، ولا زنى من غير محصن ، فاستدلوا بذلك على أن العقوبة كانت في الزنى في التوراة كذلك ، ثم كانت العقوبة بعد ذلك على الزناة في الإسلام بخلاف ذلك ، وهو ما ذكره الله تعالى في كتابه بقوله تعالى : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ، فكان ذلك حد الزانيات ، ثم قال عز وجل : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ، فكان ذلك حد الرجال في ذلك بلا جلد ولا رجم ، ثم نسخ الله عز وجل ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالسبيل الذي قد كان تقدم في ذكرها بقوله في كتابه : أو يجعل الله لهن سبيلا ، فقال صلى الله عليه وسلم ما ذكره عنه في ذلك عبادة بن الصامت .

4543 - كما قد حدثنا يونس ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذوا عني ، فقد جعل [ ص: 445 ] الله لهن سبيلا ، البكر يجلد وينفى ، والثيب يجلد ويرجم .

[ ص: 446 ]

4544 - وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم قال : وأخبرنا منصور بن زاذان ، عن الحسن قال : حدثنا حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني ، فقد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " .

فبين بذلك السبيل الذي جعله الله في ذلك ما هي ، وأعلم بحدود كل صنف من الأبكار ومن الثيب ، ثم قال عبد الله بن عمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد علمه برجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يرجمه في الزنى من أهل الكتاب .

ما قد حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : من أشرك بالله فليس بمحصن .

فأخبر بذلك أن أهل الكتاب غير محصنين ، وإذا كانوا كذلك لم [ ص: 447 ] يكونوا في الزنى مرجومين ، وهو رضي الله عنه المأمون على ما قال ، ولما خرج أهل الكتاب من الإحصان الذي يوجب الرجم بعد إطلاق الله تعالى لنبيه أن يحكم بينهم بما أنزل الله تعالى عليه ، وأن لا يتبع أهواءهم ، وكان الناس جميعا في البدء غير محصنين حتى تكون منهم الأسباب التي توجب لهم الإحصان ، فيجب عليهم عقوبات الزنى إذا كان منهم ، وهو الجلد الذي هو حدهم قبل أن يكونوا محصنين ، كانوا على ذلك أيضا غير خارجين عنه حتى تقوم الحجة بخروجهم عنه إلى ما ينقل عقوباتهم في زناهم من الجلد إلى الرجم ، وقد أجمعوا أن الرجل المسلم يكون محصنا بزوجته المسلمة بعد أن يكونا حرين بالغين قد جامعها وهما بالغان ، فوجب بذلك لإجماعهم على نقل حكم من كانت هذه سبيله من الجلد إلى الرجم إذا كان منه الزنى ، وتركه من سواه على حده الأول الذي قد أجمعوا أنه كان حده في الزنى حتى يجمعوا كذلك على نقله من ذلك الحد إلى الرجم الذي قد ذكرنا ، وفي ذلك ما قد دل في أمور أهل الكتاب على ما قاله من قاله من انتفاء الرجم منه .

وقد دخل مالك بن أنس في هذا المعنى ، فذكر عنه عبد الله بن عبد الحكم في " مختصره الصغير " الذي ألفه على قوله ، وكتبناه عمن حدثناه عنه ، قال : وإذا أسلم النصراني ثم زنى ، وقد تزوج في النصرانية ، فلا يكون محصنا حتى يطأ زوجته في الإسلام ، وكذلك العبد يعتق وله زوجة ، فيزني ، فلا يكون محصنا حتى يطأها بعد العتق ، ثم يزني بعد ذلك ، فيكون محصنا ، وكذلك الأمة تعتق ولها زوج ، فلا تكون محصنة حتى تزني بعدما يصيبها زوجها ، بعد العتق ، فدل ذلك على أن مذهبه كان في الإحصان أن ما كان من النصراني في نصرانيته [ ص: 448 ] من التزويج والجماع لا يحصنه ، لأنه لو كان يحصنه في حال نصرانيته لكان الإسلام إذا طرأ عليه وكده ، وإذا لم يكن ذلك كذلك ، دل أن من أسباب الإحصان التي يجب بها الرجم في الزنى الإسلام ، وفي ذلك ما قد دل على لزومه في ذلك ما قد قاله مخالفه فيه مما قد ذكرناه عنه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية