1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي في المراد بقول الله عز وجل لأمهات المؤمنين ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى
صفحة جزء
[ ص: 8 ] 724 - باب بيان مشكل ما روي في المراد بقول الله عز وجل لأمهات المؤمنين : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى .

حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، وحدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا نعيم بن حماد قالا : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، واللفظ ليحيى بن عثمان ، عن ثور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأله ، فقال : أرأيت قول الله تعالى : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، هل كانت جاهلية غير واحدة ؟ فقال له ابن عباس : ما سمعت أولى إلا ولها آخرة ، فقال عمر : هات من كتاب الله تعالى ما يصدق ذلك ، فقال ابن عباس : إن الله جل اسمه يقول : وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم أول مرة ، فقال عمر : من أمرنا الله أن نجاهده ، فقال ابن عباس : مخزوم وعبد شمس .

[ ص: 9 ] فتأملنا هذا الحديث وقول ابن عباس فيه لعمر : ما سمعت بأولى إلا ولها آخرة ، وتلاوة ابن عباس عليه بعد ذلك ما ذكر له أنه من كتاب الله مما لم ينكر عمر أن يكون كذلك ، وإن كنا لا نجده في كتاب الله ، فوجدنا قد روي فيه أنه قد كان من كتاب الله ، ثم أسقط منه فيما أسقط منه .

كما .

حدثنا يزيد بن سنان ، أخبرنا ابن أبي مريم ، أخبرنا نافع يعني : ابن عمر ، قال : حدثني ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، قال : قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهما : ألم نجد فيما أنزل الله علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ، فإنا لا نجدها ، فقال : أسقطت فيما أسقط من القرآن ، فقال عمر : أتخشى أن يرجع الناس كفارا ، فقال : ما شاء الله ، قال : إن يرجع الناس كفارا لتكونن أمراؤهم بني فلان ، ووزراؤهم بني فلان .

[ ص: 10 ]

وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، قال : حدثنا نافع يعني : ابن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، ثم ذكر مثله .

وكما حدثنا يزيد ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا الليث بن سعد ، حدثني يحيى بن سعيد ، قال : أخبرني رجل من قريش مرضي ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، عن عبد الرحمن بن عوف بآخر الحديث ، قال : قال عمر : إذا كان ذلك لا يكون إلا بنو أمية وبنو مخزوم من الأمر بسبيل .

وكما حدثنا يوسف ، حدثنا يعقوب بن أبي عباد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، قال : قال عمر لعبد الرحمن : ثم ذكر مثل حديثه عن يعقوب بن إسحاق ، عن نافع [ ص: 11 ] ، عن ابن أبي مليكة إلا أنه قال : ليكونن أمراؤهم بني أمية ، ووزراؤهم بني المغيرة .

فعقلنا بذلك أن الذي تلي في هذه الآثار على أنه من كتاب الله عز وجل قد كان من كتاب الله ، كما قد تلي فيه ، غير أن عمر وابن عباس لم يكونا علما أنه أسقط منه ، حتى أعلمهما ذلك عبد الرحمن بن عوف ، وكان سقوطه من كتاب الله لا يمنع أن يكون من فصيح الكلام الذي هو النهاية في الحجة في اللغة .

ووقفنا بذلك على أنه : قد يكون أول لما لا يكون له آخر .

ومثل ذلك : ما قد قاله أهل العلم في مثله في رجل قال : أول عبد أملكه فهو حر ، فملك عبدا أنه عتق عليه ، وإن لم يملك بعده غيره حتى يموت ، وخلافهم بين ذلك وبين الآخر حيث لم يجعلوا آخرا إلا لما قد كان له أول .

ومن ذلك ما قد قالوه في رجل ، قال : آخر عبد أملكه فهو حر فملك عبدا ثم لم يملك عبدا سواه حتى مات أنه لا يعتق ، وأنه لا يكون آخرا إذا كان قد كان أولا ، فهذا أحسن ما حضرنا في تأويل ما في هذا الحديث .

وقد روي عن بعض المتقدمين من الصحابة ومن غيرهم في تأويل ذلك المعنى غير هذا التأويل .

[ ص: 12 ]

كما قد حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، قال : كنا نقول تكون جاهلية أخرى .

وكما حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، قال : هي الجاهلية التي كانت بين عيسى ومحمد - صلوات الله عليهما .

وأما أهل اللغة منهم الفراء فوجدناه قد قال في كتابه في معاني القرآن ومشكل إعرابه : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، قال : [ ص: 13 ] كان ذلك في الزمن الذي ولد فيه إبراهيم صلوات الله عليه ، كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط من الجانبين ، وكانت تلبس الثياب من المال لا يواري جسدها ، فأمرن أن لا يفعلن ذلك ، فهذه تأويلات قد رويت لهذا المعنى ، وهي محتملة لما قيل فيها ، والله أعلم بمراده فيها .

وقد احتج محتج ممن وافقنا على أنه قد يكون أولى ، وإن لم يكن له آخرة ، كما قال : من ذلك قول الله عز وجل : ولقد علمتم النشأة الأولى ، فهذا يدل على أن النشأة قد كانت أولى ، وإن لم يكن بعدها نشأة أخرى .

فكان جوابنا له في ذلك أن ذلك أيضا إنما أنزل بعد أن كانت نشأت ، ومنه قول الله : كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ، وكان ذلك مما قد تقدم نزول الآية التي ذكر أنها تدل على ما قال ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية