صفحة جزء
[ ص: 117 ] 736 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام اللقطة .

4695 - حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ابن الأصبهاني ، قالا : حدثنا أبو أسامة ، عن الوليد بن كثير ، وحدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عيسى بن يونس ، ثم اجتمعوا جميعا فقالوا : أخبرنا الوليد بن كثير المخزومي - قال عيسى : وكان ثقة في الحديث - عن عمرو بن شعيب ، عن عاصم وعمرو ابني سفيان بن عبد الله ، أن سفيان بن عبد الله وجد عيبة فأتى بها عمر ، فقال : عرفها سنة ، فإن عرفت فذاك ، وإلا فهي لك ، فلم تعرف ، فلقيته من العام المقبل فذكرتها له ، فقال : هي لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ، قال : لا حاجة لي بها ، فقبضها عمر ، وجعلها في بيت المال .

[ ص: 118 ]

4696 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن أبي السفر الكوفي ، حدثنا أبو أسامة ، عن الوليد بن كثير ، عن عمرو بن شعيب ، عن عمرو وعاصم ابني سفيان بن عبد الله بن ربيعة ، عن أبيهما أنه التقط عيبة ، ثم ذكر مثله .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث إخبار عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في اللقطة : إنها للملتقط بعد السنة التي يعرفها فيها ، إذا لم يجد من يعرفها .

فتأملنا المراد بقوله في ذلك : هل هو على التمليك منه لها ، أم لا ؟

فوجدنا عمر قد روي عنه في ذلك مما قاله فيه بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه ، عن أيوب بن موسى ، عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني ، أن أباه أخبره أنه نزل منزلا بطريق الشام ، فوجد صرة فيها ثمانون دينارا ، فذكرها لعمر - رضي الله عنه - ، فقال له : عرفها على أبواب المساجد ، واذكرها لمن يقدم من الشام سنة ، فإذا انقضت سنة ، فشأنك بها .

[ ص: 119 ]

وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن شعبة ، عن أيوب بن موسى ، عن عبد الله بن زيد ، عن أبيه أنه أتى عمر بصرة فيها ألف درهم ، فقال : إني قد عرفتها فلم أجد من يعرفها ، فقال له عمر : عرفها سنة ، فإن وجدت ربها ، وإلا فاستمتع بها .

فاختلف مالك وشعبة على أيوب بن موسى في اسم الرجل الذي حدثهما عنه هذا الحديث وفي اسم أبيه ، فقال كل واحد منهما في روايته إياه عنه ما قد ذكرناه في روايته إياه عنه ، والله أعلم بالصواب في ذلك ما هو .

وكان ما في هذا الحديث موافقا لما في حديث سفيان بن عبد الله الذي رويناه قبله ، ثم وجدنا عن عمر في حكم اللقطة بعد الحول ما هو أولى من هذا .

كما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا الأسود بن شيبان ، عن أبي نوفل العريجي [ ص: 120 ] عن أبيه ، قال : وجدت بدرة فيها مال فعرفتها فلم أجد من يعرفها ، فأتيت عمر بن الخطاب ، فقلت : إني وجدت بدرة فعرفتها ، فلم أجد من يعرفها ، فقال : عرفها حولا ، فإن وجدت من يعرفها فادفعها إليه ، وإلا فائتني بها عند رأس الحول ، قال : فعرفتها حولا ، فلم أجد من يعرفها فأتيته فأخبرته ، وقلت : أعنها عني يا أمير المؤمنين ، قال : ما أنا بفاعل ، قلت : أنشدك الله يا أمير المؤمنين إلا أعنتها عني ، فقال : ما أنا بفاعل ولكن إن شئت أخبرتك ما المخرج منها ، فقلت : ما المخرج منها ، قال : إن شئت تصدقت بها ، فإن جاء صاحبها خيرته بين أن يكون له الأجر ، فإن أبى رددت عليه ماله ، وكان لك الأجر .

قال أبو جعفر : أبو نوفل العريجي هذا هو ابن أبي عقرب من كنانة قريش ، واسمه معاوية بن مسلم بن عمرو بن أبي عقرب ، هكذا قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وقال غيرهما : وقد صحب أبوه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من أهل مكة ، غير أنه تحول منها ، فسكن البصرة ، وقد روى أبو نوفل ، عن ابن عباس ، وشعبة من الرواة عنه .

[ ص: 121 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث عن عمر إبانة حكم اللقطة بعد التعريف ، وأنه الصدقة بها ، وكان تصحيح ما روي عنه مما قد ذكرناه عنه في هذا الباب أن المراد بقوله : وإلا فهي لك ، ليس على سبيل التمليك لها ، ولكن هي لك تصرفها فيما يجب صرفها فيه ، فهذا ما وجدناه عن عمر فيه في أحكام اللقطة بعد الحول .

وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في ذلك شيء كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقطة ، كان وجدها علي في زمنه ، وإن كان الحديث المذكور ذلك فيه منقطع الإسناد لا يحتج عندنا بمثله ، ولكن حملنا على المجيء به أن الشافعي قد احتج به علينا في منعنا للملتقط من أكلها بعد الحول ، إذا كان غنيا عنها .

4697 - وهو ما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا حجاج بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار أنه قال : وجد علي بن أبي طالب دينارا فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني وجدت هذا ، فقال : عرفه فذهب ما شاء الله ، ثم قال : قد عرفته فلم أجد أحدا يعرفه ، قال : فشأنك به ، قال : فذهبت فرهنته بثلاثة دراهم في طعام وودك ، فبينا هو كذلك إذ جاء صاحبه ينشده ، فعرفه ، فجاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هذا صاحب الدينار ، قال : أده إليه ، فأداه علي إليه بعدما أكلوا منه .

[ ص: 122 ] قال الشافعي : ففي هذا الحديث ، دليل على أن اللقطة حلال للملتقط بعد الحول ، وإن كان غنيا عنها ، لأنها لو كانت ترجع إلى الصدقة لما جازت لعلي - رضي الله عنه - لأنه من صليبة بني هاشم ، ولأن الصدقة عليه حرام .

فكان جوابنا له في ذلك : أن هذا حديث منقطع ، لا يحتج بمثله ، لا سيما وأحد رواته شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وأهل الأسانيد يقولون في روايته ما يقولون فيها ، ولو احتج عليك خصمك بمثل هذا لما سوغته إياه ، فكيف يجوز لك أن تحتج به على خصمك ؟ .

والصحيح عندنا ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في حكم اللقطة بعد الحول كالذي رويناه فيها عن عمر . كما حدثنا سليمان بن شعيب ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عاصم بن ضمرة ، قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، فقال : إني وجدت صرة من دراهم فعرفتها ، فلم أجد أحدا يعرفها ، فقال : تصدق [ ص: 123 ] بها ، فإن جاء صاحبها ورضي كان له الأجر ، وإلا غرمتها ، وكان لك الأجر ، وقد روي عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم اللقطة بعد الحول .

4698 - ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت سويد بن غفلة ، قال : خرجت حاجا فأصبت سوطا فأخذته ، فقال زيد بن صوحان : دعه ، فقلت : لا أدعه للسباع ، لآخذنه فلأنتفعن به ، فلقيت أبي بن كعب فذكرت ذلك له ، فقال : أحسنت ، إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : عرفها حولا ، فعرفتها حولا ، فلم أجد من يعرفها ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : عرفها حولا فعرفتها حولا فلم أجد من يعرفها ، ثم أتيته الثالثة ، فقال : عرفها حولا [ ص: 124 ] فعرفتها حولا ، فلم أجد من يعرفها ، فقال : احفظ عددها ووعاءها ، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها .

قال شعبة : ثم إن سلمة شك ، فلا يدري أثلاثة أعوام أم عاما واحدا ؟ قال سلمة : فأعجبني هذا الحديث ، فقلت لأبي صادق ، فقال : سمعته من أبي كما سمعته من سويد .

4699 - وما قد حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن سويد بن غفلة ، قال : خرجت حاجا فأصبت سوطا فأخذته ، فقال زيد بن صوحان : دعه ، فقلت : لا أدعه للسباع لآخذنه ولأنتفعن به ، فلقيت أبي بن كعب فذكرت ذلك له ، فقال : أحسنت إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها فذكرتها [ ص: 125 ] لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عرفها حولا ، فإن وجدت من يعرفها فادفعها إليه ، وإلا فاستنفع بها .

4700 - وما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا محمد بن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن سويد بن غفلة ، عن أبي بن كعب ، قال : التقطت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة دينار ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : عرفها فعرفتها سنة ، ثم أتيته فقلت : عرفتها سنة فلم أجد من يعرفها ، فقال : عرفها سنة ، فعرفتها سنة فلم أجد أحدا يعرفها ، فأتيته فقلت : عرفتها سنة ، فلم أجد أحدا يعرفها ، فقال : عرفها فعرفتها سنة فلم أجد أحدا يعرفها ، فأتيته ، فقلت : قد عرفتها سنة فلم أجد أحدا يعرفها ، قال : احفظ عددها ووكاءها واستمتع بها .

[ ص: 126 ] قال الشافعي رحمه الله : وأبي بن كعب قد كان من أيسر أهل المدينة .

وكان جوابنا له في ذلك : أن يسار أبي بن كعب الذي ذكر إنما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأما قبل ذلك فقد كان فقيرا ، والدليل على ذلك .

4701 - ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا أبي ، عن ثمامة ، قال : قال أنس : كانت لأبي طلحة أرض ، فجعلها لله عز وجل ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اجعلها في فقراء قرابتك ، فجعلها لحسان بن ثابت وأبي ، قال أبي ، عن ثمامة ، عن أنس ، وكانا أقرب إليه مني .

قال أبو جعفر : فعقلنا بذلك أنه لا حجة لمن ذهب في اللقطة [ ص: 127 ] بعد الحول إلى ما يذهب إليه الشافعي فيها ، في حديث أبي هذا .

وقد روي عن غير من ذكرنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة بعد الحول مثل الذي رويناه فيها ، عن عمر وعلي .

منهم : عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - .

كما حدثنا فهد ، حدثنا محمد بن سعيد ابن الأصبهاني ، أخبرنا شريك بن عبد الله ، عن عامر وهو ابن شقيق ، عن أبي وائل ، قال : اشترى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - خادما بسبع مائة درهم ، فطلب صاحبها فلم يجده ، فعرفها حولا ، فلم يجد صاحبها ، فجمع المساكين فجعل يعطيهم ويقول : اللهم عن صاحبها ، فإن أتى فعني ، وعلي الثمن ، ثم قال : هكذا يفعل بالضالة .

ومنهم : عبد الله بن عباس .

كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن المنذر بن أبي المنذر ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس بصرة مسك ، فقال : إني وجدت هذه ، [ ص: 128 ] فقال ابن عباس : عرفها ، فإن وجدت صاحبها وإلا فتصدق بها ، فإن جاء صاحبها فخيره بين الأجر والغرم .

ومنهم : أبو هريرة .

كما ناولني محمد بن العباس ، عن علي بن معبد . وكما حدثني إبراهيم بن سليمان ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا عبيدة بن حميد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة في الرجل يجد اللقطة ، قال : يعرفها فإن لم يجد صاحبها تصدق بها ، فإن جاء صاحبها خيره ، فإن شاء كان له الأجر ، وإن شاء أعطاه الثمن ، وكان له الأجر .

ومنهم : عبد الله بن عمر .

كما حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الحر بن الصياح ، قال : [ ص: 129 ] بينا أنا جالس عند ابن عمر إذ جاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني قد وجدت هذا الثوب ، وقد عرفته سنة ، فلم أجد أحدا يعرفه ، وهذا يوم التروية ويتفرق الناس ، قال : عرفه في الموسم بعرفات حتى يصدر الناس ، قال : أرأيت إن لم يعرفه ماذا أصنع به ، فقال له عبد الله بن عمر : قومه قيمة عدل وتصدق به إن شئت ، وأنت ضامن متى جاء صاحبه يطلبه ، فإن أخذ منك ثمنه فلك الأجر ، وإن أحب أن يكون له أجره أمضاه لوجهه ، وإن شئت قومته قيمة عدل ولبسته ، وكنت له ضامنا متى جاء صاحبه يطلبه دفعت إليه قيمته ، وإن لم يجئ له طالب ، فهو لك إن شئت .

قال أبو جعفر : وكان الذي وجدناه ، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ذكرناهم في هذا الباب في حكم اللقطة بعد الحول هو : الأمر بالصدقة بها ، إلا ما في حديث ابن عمر هذا من إباحته لملتقطها أن يلبسها إن شاء ، فكان ذلك مما قد يحتمل أن يكون إباحة ذلك لضرر رآه به دله على حاجته ، فإباحة لباسها لذلك ، فكيف يسع أحدا خلاف هؤلاء ، لا سيما ومنهم من قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، ما قد رويناه عنه في هذا الباب ، ثم قال : هو هذا القول الذي ذكرناه عنه ، فإنه مما نحيط علما أنه لم يخرج فيما قال من ذلك عما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه ، فإن احتج محتج في ذلك بحديث زيد بن خالد الجهني الذي .

[ ص: 130 ]

4702 - حدثناه يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ومالك بن أنس وسفيان الثوري أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثهم ، عن يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه ، فسأله عن اللقطة ، فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ، ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها .

كان الجواب له في ذلك : أن ما ذكرناه فيما تأولنا عليه حديث عمر وحديث أبي بن كعب ما يغنينا عن إعادته هاهنا جوابا له لما سأل عنه ، وممن ذهب في اللقطة إلى ما قد اجتبيناه في هذا الباب من كراهية أكلها بعد الحول الذي يعرفها فيه لملتقطها إلا أن يكون ذا حاجة إليها أبو حنيفة وسائر أصحابه ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية