1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرمة صيد المدينة وفي الواجب على منتهكها فيه
صفحة جزء
[ ص: 278 ] 756 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرمة صيد المدينة وفي الواجب على منتهكها فيه

4790 - حدثنا محمد بن العباس بن الربيع اللؤلؤي ، عن علي بن معبد ، وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون الواسطي قالا : حدثنا أبو يوسف ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله - عز وجل - حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ، ووضعها بين هذين الأخشبين ، لم تحل لأحد قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يرفع لقطتها إلا منشد " . فقال العباس : إلا الإذخر فإنه لا غنى لأهل مكة عنه لبيوتهم وقبورهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر .

[ ص: 279 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ، أن تحريم مكة كان بتحريم الله إياها يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ، ووضعه إياها بين الأخشبين اللذين وضعها بينهما .

4791 - وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وبحر بن نصر بن سابق ، قال الربيع وبحر : حدثنا شعيب بن الليث ، وقال محمد : أخبرنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ، عن أبي سعيد المقبري ، عن أبي شريح الخزاعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله - عز وجل - حرم مكة ، ولم يحرمها الناس ، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يسفكن فيها دما ، ولا يعضدن فيها شجرا ، فإن ترخص مترخص ، فقال : قد حلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس ، وإنما أحلها لي ساعة .

4792 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن أبي ذئب ، قال : حدثني سعيد المقبري ، قال : سمعت أبا شريح الكعبي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 280 ] ثم ذكر مثله .

4793 - وحدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا حرب بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : حدثني أبو هريرة ، قال : لما فتح الله - عز وجل - على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ، قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن الله حبس عن أهل مكة القتل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعتين من نهار ، وإنها بعد ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ، ولا يختلى شوكها ، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد .

[ ص: 281 ]

4794 - حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : إن الله - عز وجل - حبس عن أهل مكة الفيل .

4795 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال [ ص: 282 ] وموسى بن إسماعيل المنقري ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجون ، ثم قال : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله - عز وجل - لم تحل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وما أحلت لي إلا ساعة من النهار ، وهي بعد ساعتها هذه حرام إلى يوم القيامة .

4796 - وحدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا ابن الدراوردي ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، ثم ذكر بإسناده مثله .

قال : ففي هذه الآثار أن مكة حرام ، وأنها لم تحل لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الواجب على من انتهك حرمة صيدها الواجب على قاتل الصيد في الإحرام ، كما ذكره الله في كتابه بقوله : [ ص: 283 ] لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم الآية .

وما أجمع أهل العلم جميعا على من فعل ذلك في حرمة مكة وهو حلال من وجوب مثل ذلك عليه ، غير ما اختلفوا فيه من الصوم في ذلك ، ومن قول بعضهم : إنه لا يجزئ صوم ، وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة وأصحابه ، ومن قول غيرهم : إن الصوم يجزئ في ذلك كما يجزئ في القتل في الإحرام ، وممن ذهب إلى ذلك منهم مالك بن أنس ، وهو القول عندنا في ذلك ، والله أعلم .

ثم نظرنا فيما أنبأنا الله - عز وجل - في كتابه مما كان من إبراهيم نبيه صلى الله عليه وسلم فيها من قوله : رب اجعل هذا البلد آمنا ، ومن قوله : رب اجعل هذا بلدا آمنا ، فلم يكن ذلك من التحريم الذي كان من الله - عز وجل - في شيء ، كما لم يكن الربا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الربا الذي حرمه الله - عز وجل - في كتابه في شيء ; لأن الربا الذي حرمه الله - عز وجل - في كتابه في النسيئة ، والذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في التفاضل ، وكان ما دعا به إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأهل مكة هو الأمان الذي يبينون به عن سائر أهل البلدان سوى مكة ، ودل على ذلك قوله - عز وجل - : أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ، وكان ذلك عندنا ، والله أعلم لما كان من دعاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الآيتين اللتين تلونا . ثم نظرنا إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه المدينة كيف كان .

4797 - فوجدنا علي بن معبد قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 284 ] إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، قال : حدثنا عمرو بن يحيى المازني ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبراهيم حرم مكة ، ودعا لهم ، وإني حرمت المدينة ودعوت لهم بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ، أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم .

وكان في هذا الحديث ، ما قد دلنا على أن الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو مثل الذي كان من إبراهيم صلى الله عليه وسلم في مكة في أمان أهلها فيها ، وفي أن يكونوا في ذلك بخلاف من حولهم من الناس فيما سواها ، غير أنا وجدنا فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

4798 - ما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم حرم بيت الله وأمنه ، وإني حرمت المدينة مما بين لابتيها لا يقطع عضاهها [ ص: 285 ] ولا يصاد صيدها .

وكان في هذا الحديث تحريم ما بين لابتي المدينة أن لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ، فاحتمل أن يكون ذلك زيادة زادها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته على ما كان من إبراهيم صلى الله عليه وسلم في مكة ، ودعاؤه الله - عز وجل - بذلك ، وإجابته إياه فيه .

ثم نظرنا : هل حكم ما تنتهك حرمته بين لابتي المدينة من الصيد والعضاه كما تنتهك في حرمة مكة منهما ، وفي الواجب بذلك على منتهكهما . ؟

4799 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري ، عن إسماعيل بن محمد ، وهو ابن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن عامر بن سعد أن سعدا - رضي الله عنه - ركب إلى قصره بالعقيق ، فوجد غلاما يقطع شجرا أو يخبطه ، فأخذ سلبه ، فلما رجع أتاه أهل الغلام ، فكلموه أن يرد ما أخذ من غلامهم ، فقال : معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه [ ص: 286 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ، وأبى أن يرد إليهم .

قال أبو جعفر : هكذا حدثنا إبراهيم بهذه الألفاظ .

4800 - وحدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق قالا : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت يعلى بن حكيم يحدث ، عن سليمان بن أبي عبد الله ، قال : شهدت سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وأتاه قوم في عبد لهم [ ص: 287 ] أخذ سعد سلبه رآه يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلموه أن يرد عليهم سلبه ، فأبى وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حد حدود حرم المدينة ، فقال : من وجدتموه يصيد في شيء من هذه الحدود ، فمن وجده فله سلبه ، ولا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن شئتم أن أعوض لكم مكان سلبه فعلت . واللفظ ليزيد .

4801 - ووجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن أبي عبد الله أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أخذ عبدا صاد في حرم المدينة الذي حرم النبي صلى الله عليه وسلم فسلبه ثيابه ، فجاء مواليه إلى سعد فكلموه ، فقال سعد : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم ، وقال : من أخذ يصيد فيه شيئا ، فلمن أخذه سلبه ، فلم أكن لأرد عليكم طعمة [ ص: 288 ] أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن شئتم أعطيتكم ثمنه .

فكان في هذا ما قد دلنا أن الواجب في انتهاك الصيد والعضاه بين لابتي المدينة غير الواجب في انتهاكهما في حرمة مكة ; لأن الواجب في انتهاكهما في حرمة مكة ما قد ذكرناه في هذا الباب في ذلك ، والواجب في انتهاك حرمتها من المدينة هو ما قد ذكرناه في هذين الحديثين .

ثم وجدنا فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتيا ، ويؤخذ العلم عنهم في الحرمين وفي سائر البلدان سواهما مجتمعين على : أن أخذ سلب منتهك حرمة الصيد والعضاه بالمدينة غير مستعملة .

فعقلنا بذلك : أن إجماعهم على ترك ما في هذين الحديثين كان لوقوفهم على نسخه ; لأنهم المأمونون على ما رووا وعلى ما قالوا ، ولأن من ترك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حكم به خارج من هذه الرتبة ، غير مقبول قوله ، وغير مستعملة روايته ، وحاش لله - عز وجل - أن يكونوا كذلك ، ولكن تركهم لذلك كان عندنا والله أعلم على مثل تركهم ما سواه ، مما قد روي في انتهاك الحرم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمثل ذلك ما روي عنه في مانع الزكاة : " إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا - عز وجل - " .

وما روي عنه صلى الله عليه وسلم في حريسة الجبل أن فيها غرامة مثليها [ ص: 289 ] وجلدات نكال .

وما روي عنه فيمن وقع بجارية امرأته مستكرها لها أنها تعتق عليه ويكون عليه مثلها ، وأنه إن كان ذلك منه إليها وهي مطاوعة له كانت له ، وكان عليها مثلها لزوجته ، فألزم جارية فاسدة ، وجعل عليها مكانها جارية غير فاسدة ، وأعتقت عليه إذا كان وقع بها مستكرها لها ، فمثل ذلك والله أعلم ما روي من السلب ، فيما ذكرنا يحتمل أن يكون كان والأحكام فيه كذلك ، ثم نسخ بنسخ أشكاله التي ذكرناها في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية