1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده
صفحة جزء
[ ص: 444 ] 76 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده }

508 - حدثنا يونس ، أخبرنا أنس بن عياض ، عن الحارث بن أبي ذباب ، عن عمه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله عليه السلام قال : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله } .

509 - حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا قتيبة ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه السلام : { يهلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله } .

[ ص: 445 ]

510 - حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء قال : سمعت أبا علقمة يحدث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه السلام : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده } .

511 - حدثنا يونس ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا ذهب قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله } .

512 - حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 446 ] فتأملنا هذا الحديث لنقف على المعنى المراد به ما هو ، فوجدنا المزني قد حكى لنا عن الشافعي في تأويله قال : كانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا ، وكان كثر معاشهم منه ، وتأتي العراق ، فلما دخلت في الإسلام ذكرت ذلك للنبي عليه السلام خوفا من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق ، وفارقت الكفرة ، ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام ، فقال : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده } ، فلم يكن بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده ، وقال : { إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده } ، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده . فأجابهم النبي عليه السلام على ما قالوا ، فكان كما كان إلى اليوم ، وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام بعده بالشام ، وقال في قيصر : ثبت ملكه ببلاد الروم ، وينحى ملكه عن الشام ، وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضا .

قال أبو جعفر : وسألت أحمد بن أبي عمران عن تأويل هذا الحديث ، فأجابني بخلاف هذا القول ، وذكر أن معنى قوله عليه السلام : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده } قال : فهلك كسرى كما أعلمنا أنه سيهلك ، فلم يكن بعده كسرى ، ولا يكون بعده كسرى إلى يوم القيامة ، وكان معنى قوله : { إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده } إعلاما منه إياهم أنه سيهلك ولم يهلك إلى الآن ، ولكنه هالك قبل يوم القيامة ، وخولف بينه وبين كسرى في تعجيل هلاك كسرى ، وتأخير هلاك قيصر لاختلاف ما كان منهما عند ورود كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل واحد منهما .

قال لنا ابن أبي عمران : وروي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 447 ]

513 - ما قد حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله : أن ابن عباس أخبره : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام ، وبعث بكتابه - يعني مع دحية بن خليفة الكلبي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى - ليدفعه إلى قيصر ، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر ، فلما جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه : التمسوا لي هاهنا من قومه من أحد أسأله عنه } .

قال ابن عباس : فأخبرني أبو سفيان أنهم أدخلوا عليه ، وأنه لما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل أبا سفيان عما سأله عنه ، وأجابه أبو سفيان بما أجابه في ذلك قال : إن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، والله لو أني أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه
.

514 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عبد العزيز الأويسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، ثم ذكر هذا الحديث بإسناده . كما حدثناه ابن أبي عمران ، عن إبراهيم بن حمزة ، عن إبراهيم بن سعد سواء .

فكان هذا هو الذي كان من قيصر عند ورود كتاب رسول الله [ ص: 448 ] صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام .

وكان الذي كان من كسرى عند ورود كتاب رسول الله عليه السلام بمثل ذلك :

515 - ما قد حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا صالح بن كيسان ، وابن أخي ابن شهاب ، كلاهما عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ، فلما قرأه خرقه } .

قال ابن شهاب : فحسبت أن ابن المسيب قال : فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يمزقوا كل ممزق
} .

516 - وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا الأويسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، ثم ذكر مثله سواء .

قال ابن أبي عمران : فخولف بين هلاكيهما في تعجيل أحدهما ، وفي [ ص: 449 ] تأخير الآخر ، وكان هذا التأويل عندنا أشبه من الأول ؛ لأن في التأويل الأول ذكر هلاك قيصر ، ولم يهلك ، إنما كان منه تحوله بملكه من الشام إلى الموضع الذي هو مقيم به الآن .

ومما يحقق أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { والذي نفسي بيده ، لتنفقن كنوزهما في سبيل الله } ، فقد أنفق كنز كسرى في ذلك ، ولم ينفق كنز قيصر في مثله إلى الآن ، ولكنه سينفق في المستأنف في مثل ذلك ؛ لأن قول رسول الله عليه السلام فإنما هو عن الله تعالى ، ولا يخلف الميعاد .

وقد حقق ذلك أيضا ما قد روي عن رسول الله عليه السلام في هلاك قيصر .

517 - كما قد حدثنا علي بن معبد ، حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، حدثنا زائدة بن قدامة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن نافع بن عتبة بن أبي وقاص ، عن النبي عليه السلام قال : { تقاتلون جزيرة العرب فيفتحها الله تعالى ، ثم تقاتلون فارسا فيفتحها الله ، ثم تقاتلون الروم فيفتحها الله ، ثم تقاتلون الدجال فيفتحه الله } .

قال جابر : ولا يخرج الدجال حتى يخرج الروم .

[ ص: 450 ]

518 - وما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا خلف بن الوليد اللؤلؤي ، حدثنا أبو جعفر الرازي قال الطحاوي : واسمه عيسى بن ماهان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي عليه السلام يقول : { ستغزون جزيرة العرب وتفتح عليكم ، وتغزون فارسا وتفتح عليكم ، وتغزون الروم وتفتح عليكم ، ثم الدجال } .

قال : ولم يذكر نافع بن عتبة .

فأخبر رسول الله عليه السلام أن فتح الروم المقرون بفتح كسرى لم يكن ، وأنه كائن ، وأن كونه إذا كان ككون فتح كسرى الذي قد كان .

وقد روي عنه عليه السلام في آية ذلك :

519 - ما قد حدثنا أحمد بن يحيى بن يزيد الصوري أبو عبد الله ، حدثنا الهيثم بن جميل ، حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، عن مالك بن يخامر ، عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عمران بيت المقدس خراب ليثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ، ثم ضرب على فخذي - أو فخذ الذي بجنبه أو منكبه - ثم قال : أما إنه لحق كما أنك هاهنا } .

[ ص: 451 ]

520 - وما قد حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، حدثنا علي بن الجعد الجوهري ، حدثنا ابن ثوبان ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : حضور الملحمة مكان خروج الملحمة .

فأخبرنا عليه السلام بالمعنى الذي يكون عنده هلاك قيصر حتى يكون هلاكه هلاك كسرى الذي قد كان ، فلا يكون بعده قيصر إلى يوم القيامة ، كما لا يكون بعد كسرى كسرى إلى يوم القيامة ، وتكون البلدان كلها خالية من كل واحد منهما ، وتكون كنوزهما قد صرفت إلى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه ينفق فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية