1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله من قتل عمدا فقود يده
صفحة جزء
[ ص: 415 ] 775 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " من قتل عمدا فقود يده " .

4900 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن سليمان بن كثير ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل في عميا ورميا يكون بينهم بحجر أو بسوط أو بعصا ، فعقله عقل خطأ ، ومن قتل عمدا فقود يده ، ومن حال بينه وبينه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .

قال أبو جعفر : فطعن طاعن في هذا الحديث ، فقال : قد روى هذا الحديث ، عن عمرو من هو أثبت من سليمان بن كثير ، وهو سفيان بن عيينة ، فذكر . [ ص: 416 ]

ما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن طاوس مثله ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ابن عباس .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن سفيان قد كان يحدث به هكذا بأخرة ، وقد كان يحدث به قبل ذلك ، كما حدث به سليمان بن كثير ، ولو اختلفا ، لكان سليمان مقبول الرواية ، ثبتا فيها ممن لو روى حديثا فتفرد به ، لكان مقبولا منه ، وإذا كان كذلك كان فيما زاده على غيره في حديث مقبولة زيادته فيه عليه .

ثم تأملنا معنى قوله : " فقود يده " فكان ذلك عندنا ، والله أعلم ، على أن الواجب لولي المقتول كذلك القود لا ما سواه .

قال قائل : فأنتم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى خلاف ما ذكرتم ، وذكر ما قد .

4901 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا حرب بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : حدثني أبو هريرة ، قال : لما فتح الله - عز وجل - على رسوله مكة ، [ ص: 417 ] قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب ، فقال في خطبته : من قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين : إما أن يقتل ، وإما أن يودى .

4902 - وما قد حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 418 ] فكان في هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ولي المقتول بالخيار بين الشيئين المذكورين فيه ، وفي الحديث الذي رويته قبله أنه جعل له شيئا واحدا وهو القود ، وهذا اختلاف شديد .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنه لا اختلاف في ذلك كما توهم ، وذلك أن في الحديث الأول الذي رويناه عن ابن عباس ذكر الواجب ، وأنه القود ، والذي في حديث أبي هريرة الذي رويناه بعده : أن لولي المقتول أن يقتل ، وهو القود الذي في حديث ابن عباس ، فذلك عندنا ، والله أعلم ، على أداء القاتل الدية إلى ولي المقتول ، وقبول ولي المقتول إياها منه ، فكان ذلك بمعنى الصلح من الدم على الدية التي أديت إليه .

فقال هذا القائل : فقد روى أبو شريح الخزاعي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بما يدل على خلاف ما ذكرت ، وذكر ما قد .

4903 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى وهو ابن سعيد ، عن ابن أبي ذئب ، قال : حدثني سعيد المقبري ، قال : سمعت أبا شريح الكعبي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته [ ص: 419 ] يوم فتح مكة : ألا إنكم معشر خزاعة ، قتلتم هذا القتيل من هذيل ، وإني عاقله ، فمن قتل له بعد مقالتي قتيل ، فأهله بين خيرتين ، بين أن يأخذوا العقل ، وبين أن يقتلوا .

قال : ففي هذا الحديث أخذ ولي المقتول الدية من القاتل ، لا تبيين أن ذلك بإدامته إياها لهم .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن ذلك مما في هذا الحديث ، ليس بخلاف لما في حديث أبي هريرة الذي رويناه قبله ; لأن في حديث أبي هريرة أداء [ ص: 420 ] من القاتل ، وفي حديث أبي شريح أخذ ولي المقتول من القاتل ، فتصحيحهما على أداء من القاتل على ما في حديث أبي هريرة ، وأخذ من الولي لذلك على ما في حديث أبي شريح .

وهذه مسألة قد اختلف أهل العلم فيها : فقائلون منهم يقولون هذا القول الذي ذكرناه ، وصححنا عليه هذين الحديثين ، وهو مذهب أهل الحجاز وأهل العراق جميعا ، وقائلون يقولون : إن لولي المقتول أن يأخذوا الدية من القاتل شاء أم أبى ، ويحتجون في ذلك بما تأول هذا المتأول هذا الحديث عليه ، وممن ذهب إلى ذلك الشافعي ، وقالوا : على القاتل استحياء نفسه ، فإذا لم يفعل ما عليه أخذ به ، وإن كره .

فكان جوابنا لمن احتج بذلك : أن على القاتل استحياء نفسه كما ذكر ، وأن عليه أن يستحييها بالدية وبما سواها مما يملك ، حتى يعود بذلك حاقنا لدمه ، وأجمعوا جميعا : أن ولي المقتول لو طلب من القاتل داره أو عبده على أن يأخذ ذلك منه ، ويرفع القود عنه ، أن على القاتل فيما بينه وبين ربه أن يفعل ذلك ، وأنه غير مجبر عليه إن أباه ، فكان ما سوى ذلك من ماله ، كذلك لا يكون مجبرا على استحياء نفسه به ، ولا مأخوذا منه على ذلك بغير طيب نفسه .

فقال هذا القائل : فلم احتيج في ذلك إلى ذكر هذا ؟ قيل له : لأن الشريعة كانت في بني إسرائيل في القتل العمد القود لا ما سواه ، وكان القود واجبا على القاتل ليس لأحد دفع ذلك عنه ، فخفف الله عن هذه الأمة بما أنزل في كتابه في ذلك .

[ ص: 421 ]

كما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان القصاص في بني إسرائيل ولم يكن فيهم دية ، فقال الله لهذه الأمة : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء فالعفو في أن يقبل الدية في العمد ذلك تخفيف من ربكم ، مما كان كتب على من قبلكم .

فكان ما في هذا الحديث ، من ابن عباس إخبارا منه عن المعنى الذي من أجله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بما خطب به من إباحة أخذ الدية في الدم العمد ; لأن ذلك كان محرما على من قبل أمته وليس من شرائع دينهم ، وجعله الله - عز وجل - من شريعته ، ومما قد تعبد أمته به ، فخطب به على الناس ليعلموه .

وقد روى هذا الحديث حماد بن سلمة ، عن عمرو ، فخالف ابن [ ص: 422 ] عيينة في إسناده ، وقصر في بعض ألفاظه كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى آخر الآية ، قال : كتب على بني إسرائيل القصاص ، وأرخص لكم في الدية : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ، قال : مما كتب على بني إسرائيل فيما عاد إلى الرخصة لم يكن مأخوذا ممن يؤخذ منه إلا بطيب نفسه بذلك .

وفيما ذكرنا كفاية ودليل ، وأن لا تضاد في شيء مما رويناه في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية