1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته على قتلى أحد بعد مقتلهم بثماني سنين
صفحة جزء
[ ص: 431 ] 778 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته على قتلى أحد بعد مقتلهم بثماني سنين

4907 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب : أن أبا الخير أخبره : أنه سمع عقبة بن عامر يقول : إن آخر ما خطب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه صلى على شهداء أحد ، ثم رقي على المنبر ، فحمد الله - عز وجل - وأثنى عليه ، ثم قال : إني فرط لكم ، وأنا عليكم شهيد .

[ ص: 432 ]

4908 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما ، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صلى على قتلى أحد بعد مقتلهم بثماني سنين ، فاحتمل أن يكون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه لم تكن سنة الشهداء قبل ذلك الصلاة عليهم ، ثم جعل الله الصلاة عليهم من سنتهم ، فصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك . فقال قائل : وكيف تقبلون هذا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليهم بحضرة قتلهم . وذكر ما قد .

4909 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم [ ص: 433 ] عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوضع بين يديه يوم أحد عشرة ، فيصلي عليهم وعلى حمزة ، ثم يرفع العشرة وحمزة موضوع ، ثم توضع عشرة فيصلي عليهم وعلى حمزة معهم .

4910 - وما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : أمر رسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالقتلى ، فجعل يصلي عليهم ، فيضع تسعة وحمزة ، فيكبر عليهم سبع تكبيرات ، ثم يرفعون ويترك حمزة ، ثم يجاء بتسعة فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم .

[ ص: 434 ] فقال القائل : ففي هذا الحديث ، أنه قد كان صلى عليهم بحضرة قتلهم ، وإذا كان ذلك كذلك ممن قد صلى قبل ذلك على المدفون جاز له أن يعيد الصلاة عليه ، وفي جواز ذلك له ما يجوز به لغيره الصلاة عليه أيضا .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن الذي قد روي من هذا الحديث ، عن ابن عباس قد خالفه فيه جابر وأنس بن مالك ، كما قد .

4911 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني الليث بن سعد ، عن ابن شهاب حدثه ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم ، ولم يصل عليهم ، ولم يغسلوا .

[ ص: 435 ]

4912 - كما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني أسامة بن زيد الليثي : أن ابن شهاب حدثه أن أنس بن مالك حدثه : أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم .

قال أبو جعفر : فهذا جابر وأنس يخبران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن صلى عليهم بحضرة قتلهم ، وقد يجوز أن يكون لم يصل عليهم ، وقد صلى عليهم غيره بأمره ، فنظرنا في ذلك هل روي فيه شيء أم لا . ؟

4913 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : أخبرنا أسامة بن زيد ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مر بحمزة عليه السلام ، وقد جدع ومثل به ، فقال : لولا أن تجزع صفية لتركته حتى يحشره الله - عز وجل - من بطون الطير والسباع ، فكفنه في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه ، وإذا خمر رجليه بدا رأسه ، فخمر رأسه ولم يصل على أحد من الشهداء غيره ، وقال : أنا شهيد عليكم اليوم .

[ ص: 436 ] فكان في هذا الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن صلى على أحد من الشهداء يوم أحد غير حمزة ، وقد يجوز أن يكون فعل ذلك من الصلاة على حمزة ، ومن ترك الصلاة على غيره لما أشغله يومئذ مما كان نزل به في وجهه ، ومن هشم البيضة على رأسه ، كما قد .

4914 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي حازم وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن أبي حازم ، قال سعيد في حديثه : سمعت سهل بن سعد ، وقال ابن أبي حازم ، عن سهل : أنه سئل عن وجه رسول الله يوم أحد ، بأي شيء دووي ؟ قال سهل : كسرت البيضة على رأسه ، وكسرت رباعيته ، وجرح وجهه ، فكانت فاطمة تغسله ، وكان علي عليه السلام يسكب الماء بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة [ ص: 437 ] حصير ، فأحرقتها وألصقتها على جرحه ، فاستمسك الدم ، يختلف لفظ ابن أبي حازم وسعيد في هذا الحديث ، والمعنى واحد .

4915 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا خالد بن عبد الله ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله ، وهشموا عليه البيضة ، وكسروا رباعيته .

[ ص: 438 ]

4916 - وكما حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت البناني ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج وجهه ، فجعل يسلت الدم عن وجهه ، ويقول : كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم ، وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم إلى الله - عز وجل - فأنزل الله - عز وجل - : ليس لك من الأمر شيء .

[ ص: 439 ] قال أبو جعفر : فاحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليهم لما شغله عنهم من ألم ما نزل به ، غير حمزة فإنه اختصه بالصلاة عليه لمكانه منه .

فقال قائل : فقد روي الحديث الذي ذكرت فيه اختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بالصلاة عليه بخلاف ما رواه عليه عثمان بن عمر الذي ذكرت ذلك في حديثه عنه ، وذكر ما قد .

4917 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك ، قال : كفن حمزة في نمرة ، كانوا إذا مدوها على رأسه خرجت رجلاه ، وإذا مدوها على رجليه خرج رأسه ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدموا على رأسه ويجعلوا على رجليه من الإذخر .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أن تجزع صفية لتركنا حمزة ، فلم ندفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع
.

[ ص: 440 ] ولم يذكر فيه ابن وهب صلاة رسول الله على حمزة .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن ابن وهب ، وإن كان لم يذكر ذلك ، فقد زاد عليه عثمان بن عمر ، عن أسامة ما في حديثه من إثباته الصلاة عليه ، وكلاهما بحمد الله ثقة ثبت مقبول الرواية ، ومن زاد وهو كذلك على غيره زيادة في حديث روياه جميعا كانت زيادته مقبولة .

فقال قائل : فقد ذكرت في الباب الذي قبل هذا الباب : أن الميت إذا فني ببلى أو بما سواه ، فصار بذلك معدوما أنه لا يصلى على قبره ، وفي حديث عقبة الذي رويته : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد مقتلهم بثماني سنين ، فهذا الحديث حجة عليك لما ذكرته من ذلك ; لأن الموتى يفنون في أقل من تلك المدة .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن شهداء أحد قد علم رسول الله أنهم لم يفنوا ، وأنهم باقون لما أنزل الله - عز وجل - عليه فيهم من قوله : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فصلى عليهم لذلك ، وقد روي في وجودهم على الأحوال التي ذكرها الله في هذه الآية بعد أضعاف هذه المدة من الزمان .

ما قد حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل ، قال : حدثنا سفيان بن [ ص: 441 ] عيينة ، عن أبي الزبير سمع جابر بن عبد الله يقول : لما أراد معاوية يجري العين التي عند قبور الشهداء بالمدينة ، أمر مناديا فنادى : من كان له ميت فليأته ، قال جابر : فذهبت إلى أبي ، فأخرجناهم رطابا يتثنون ، فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما .

ففي هذا الحديث ، ما قد دل على بقاء أبدانهم بعد المدة التي كان صلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فهكذا نقول : من علم بقاء بدنه بعد مدة ، وإن طالت في قبره ، جاز أن يصلى على قبره إذا لم يكن صلي عليه قبل دفنه ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، واتباعا له ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية