1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتل هل يكون منه شبه عمد
صفحة جزء
[ ص: 465 ] 781 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتل : هل يكون منه شبه عمد ، كما يقول الكوفيون ، أو لا شبه عمد فيه ، كما يقول الحجازيون

4945 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال : أخبرنا هشيم ، عن خالد الحذاء ، عن القاسم بن ربيعة بن جوشن ، عن عقبة بن أوس السدوسي ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة ، فقال في خطبته : ألا إن قتل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر ، فيه دية مغلظة مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها .

[ ص: 466 ] قال : ففي هذا الحديث ، إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، أن في القتل بالسوط والعصا والحجر مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ، ففي ذلك ما قد دل أنه لم يجعل فيه قودا ، وهذا مما قد اختلف فيه .

فطائفة منهم تقول : القتل وجهان : خطأ وعمد ، لا ثالث لهما ، وهذا قول الحجازيين .

وطائفة منهم تقول : القتل على ثلاثة أوجه : فمنه عمد فيه القود ، ومنه خطأ فيه الدية على العاقلة ، ومنه شبه عمد فيه هذه الدية المذكورة في هذا الحديث ، غير أن الكوفيين يختلفون في القتل بالحجر الثقيل الذي مثله يقتل ، فتقول طائفة منهم : هو شبه عمد لا قود فيه ، وفيه الدية مغلظة ، وممن قال بذلك منهم : أبو حنيفة .

وطائفة منهم تقول : في ذلك القود بالسيف ، وتذهب إلى أن الحجر المذكور في هذا الحديث ، هو الحجر الذي لا يقتل مثله من جنس السوط والعصا الذي لا يقتل أمثالهما ، وتقول في السوط والعصا : إن كرر الضرب بهما أو بأحدهما حتى يكون الضرب بجملته موهوما منه القتل ، كان ذلك عمدا ، وكان فيه القود بالسيف ، وممن كان يقول ذلك منهم : أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وقد ذكرنا الحديث المروي في ذلك في صدر هذا الباب من حديث هشيم خاصة ، عن خالد الحذاء ، وقد رواه غير هشيم ، وهو شعبة عن أيوب السختياني ، فخالفه في إسناده .

[ ص: 467 ]

4946 - كما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، وهو ابن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن أيوب السختياني ، عن القاسم بن ربيعة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قتيل الخطأ شبه العمد بالسوط أو العصا مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها ، ولم يذكر أيوب في حديثه هذا عقبة بن أوس ، وقد رواه أيضا حماد بن زيد ، عن أيوب ، فخالف شعبة فيه .

4947 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن القاسم بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح ولم يذكر في إسناده غير هذا .

[ ص: 468 ] ثم طلبنا ذكر الرجل الذي رجع ذكر هذا الحديث إليه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية خالد من هو . ؟

4948 - فوجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا ، قال : حدثني يحيى بن حبيب بن عربي ، قال : حدثنا حماد ، عن خالد ، عن القاسم بن ربيعة ، عن عقبة بن أوس ، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل ، فيها أربعون في بطونها أولادها .

[ ص: 469 ] ثم نظرنا هل روى هذا الحديث أيضا عن خالد غير هشيم .

4949 - فوجدنا أحمد قد حدثنا ، قال : حدثنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن خالد الحذاء ، عن القاسم بن ربيعة ، عن يعقوب بن أوس - ولم يقل عقبة - عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر الحديث .

4950 - ووجدنا أحمد قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا خالد ، عن القاسم بن ربيعة ، عن يعقوب بن أوس أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال ، ثم ذكره ، ولم يذكر بشر ولا يزيد في حديثهما الحجر ، وإنما ذكر [ ص: 470 ] السوط والعصا خاصة ، وكان ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد مما ذكرناه عنهما أولى عندنا مما ذهب إليه أبو حنيفة ، مما ذكرناه عنه بالقياس ، ذلك أنا وجدنا القتل بالسيف على العمد لذلك يوجب القود ، والقاتل به مأثوم إثم القتل .

ووجدنا القاتل بالحجر الثقيل الذي مثله يقتل مأثوما إثم القتل .

ووجدنا القاتل بالسوط والعصا اللذين مثلهما لا يقتل إذا كان منهما القتل لم يكن على القاتل بهما إثم القتل .

فعقلنا بذلك : أن ما كان معه إثم القتل كان فيه القود ، وأن ما لم يكن معه إثم القتل لم يكن فيه قود ، وكانت فيه الدية مغلظة ، فكان من ذكرناه من الكوفيين يختلفون في الدية المغلظة ما هي ، فكان أبو حنيفة وأبو يوسف يقولان : هي مائة من الإبل ، منها خمس وعشرون بنات مخاض ، ومنها خمس وعشرون بنات لبون ، ومنها خمس وعشرون حقة ، ومنها خمس وعشرون جذعة ، وكان محمد بن الحسن يخالفهما في ذلك ، ويقول : هي مائة من الإبل ، منها ثلاثون حقة ، ومنها ثلاثون جذعة ، ومنها أربعون خلفة في بطونها أولادها ، وكان هذا القول عندنا أولى ما قيل في هذا الباب لموافقة قائله ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه مما قد ذكرنا ، فأما ما دون النفس فلا اختلاف بين أهل العلم فيه أنه وجهان ، خطأ وعمد لا شبه عمد معهما ، وقد كان الحجازيون يحتجون بها على الكوفيين ، ويقولون كما لم يكن فيما دون النفس شبه عمد ، فكذلك لا يكون في النفس شبه عمد .

وكما كان ما دون النفس خطأ وعمد لا ثالث لهما ، فكذلك ما [ ص: 471 ] يكون في النفس يكون خطأ وعمدا لا ثالث لهما ، فنظرنا هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء يدل على أحد المذهبين ، فيكون هو الأولى في ذلك .

4951 - فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي .

4952 - ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن بكر السهمي ، ثم اجتمعا جميعا ، أعني : بكارا وإبراهيم فقالا في حديثيهما : حدثنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك أن عمته الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها ، وطلبوا إليهم العفو ، فأبوا ، والأرش ، فأبوا ، وأبوا إلا القصاص ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص ، فقال أنس بن النضر : أتكسر ثنية الربيع ؟ لا والذي بعثك بالحق ، لا تكسر ثنيتها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس ، كتاب الله - عز وجل - القصاص ، فرضي القوم فعفوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من عباد الله - عز وجل - من لو أقسم على الله لأبره ، وكانت اللطمة مما لو كانت في النفس [ ص: 472 ] لم يكن فيها قود ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القود فيما دون النفس ، فكان تصحيح هذا الحديث والحديث الذي رويناه قبله يدلان على ما قال الكوفيون : إن النفس قد يكون فيها عمد يوجب القود ، وقد يكون فيها خطأ يوجب دية الخطأ ، وقد يكون فيها شبه عمد يوجب دية شبه العمد ، وإن ما دون النفس لا يكون فيه إلا خطأ وعمد لا شبه عمد معهما ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية