1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمامته في الليلة التي أسري به فيها إلى بيت المقدس هل كانت لكل الأنبياء
صفحة جزء
[ ص: 537 ] 792 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمامته في الليلة التي أسري به فيها إلى بيت المقدس ، هل كانت لكل الأنبياء - صلوات الله عليهم - أو لبعضهم دون بعض ؟

5008 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا شيبان بن فروخ ، وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، ثم قال كل واحد منهما : حدثنا حماد ، يعني : ابن سلمة ، عن أبي حمزة ، قال ابن خزيمة في حديثه : الأعور ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود في حديث ركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق لما أسري به إلى بيت المقدس ، قال : ثم مضينا إلى بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء صلوات الله عليهم ، ثم دخلت المسجد ، وتشرف بي الأنبياء صلوات الله عليهم من سمى الله - عز وجل - في كتابه ، ومن لم يسم ، فصليت بهم إلا هؤلاء النفر ، عيسى وموسى وإبرهيم صلى الله عليهم .

[ ص: 538 ] ففي هذا الحديث ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أم الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم من سمى الله - عز وجل - في كتابه ومن لم يسم فيه إلا أولئك النفر المستثنين في هذا الحديث ، وهم عيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ، وقد روي عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامته بهم جميعا بغير مستثنين منهم من استثني في حديث ابن مسعود .

5009 - كما حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء بيت المقدس في الليلة التي أسري به إليه فيها ، بعث له آدم صلى الله عليه وسلم ، ومن دونه من الأنبياء ، وأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 539 ]

5010 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فسار بي حتى أتينا بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخلت فصليت ، ثم خرجت .

ففي حديث أنس بن مالك الأول من حديثيه هذين : أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت في بيت المقدس ، أم فيها الأنبياء الذين أمهم فيها ، وفي حديثه الثاني منهما : أنه صلى فيه بغير ذكر فيه إمامة لمن ذكر إمامته فيه في حديثه الأول ، وقد روي عن أبي هريرة في ذلك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما في الحديث الأول من حديثي أنس هذين .

5011 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا شجاع بن [ ص: 540 ] أشرس ، قال : حدثنا عبد العزيز ، يعني : ابن عبد الله الماجشون ، عن عبد الله بن الفضل ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء به إلى بيت المقدس ، قال : ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء - صلوات الله عليهم - فإذا موسى عليه السلام قائم يصلي رجل ضرب جعد ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم قائما يصلي ، أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم قائم يصلي أقرب من رأيت به شبها صاحبكم ، يعني : نفسه ، صلى الله عليهما ، فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة ، قال قائل : يا محمد هذا مالك خازن النار ، يسلم عليك ، فالتفت إليه ، فنادى بالسلام .

فكان فيما رويناه من حديثي أنس وأبي هريرة إثبات إمامة رسول الله في ليلتئذ جميع الأنبياء ، وفي حديث ابن مسعود الذي ذكرناه قبله استثناء الثلاثة النفر المستثنين منهم ، فنظرنا في ذلك وفي الموضع الذي منه جاء هذا الاختلاف فيما نرى ، والله أعلم أن في حديث ابن مسعود الذي رويناه مما لم نذكره فيما رويناه فيه زيادة على ما [ ص: 541 ] رويناه منه فيما تقدم منا في هذا الباب ، واحتجنا إلى ذكره هاهنا بتلك الزيادة .

5012 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا شيبان بن فروخ .

وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، ثم اجتمعا ، فقال كل واحد منهما : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى بيت المقدس ، قال : فأتيت يعني : في طريقه إليه على رجل ، وهو قائم يصلي ، قال : من هذا معك يا جبريل ، قال : أخوك محمد ، فرحب ودعا بالبركة ، فقال : سل لأمتك اليسر ، فقلت : من هذا ، فقال : هذا أخوك عيسى صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم سرنا فأتينا على رجل ، فقال : من هذا معك يا جبريل ، فقال : هذا أخوك محمد ، فرحب ودعا بالبركة ، فقال : سل لأمتك اليسر ، فقلت : من هذا يا جبريل ، فقال : هذا أخوك موسى صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم سرنا فرأينا مصابيح وضوءا فقلت : من هذا يا جبريل ، قال : هذه شجرة أبيك إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ادن منها ، قلت : نعم ، فدنونا منها فدعا لي بالبركة ورحب بي ، ثم مضينا إلى بيت المقدس .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ، لقاؤه صلى الله عليه وسلم كان للثلاثة المستثنين من الأنبياء الذين أمهم في الحديث الأول ، وهم هؤلاء الثلاثة المسمون في حديثه هذا ، فاحتمل أن يكون الاستثناء الذي في حديثه الأول كان [ ص: 542 ] لذلك ، وأن يكون ذلك الاستثناء من ابن مسعود لما وقف من لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم دون بيت المقدس ، فأخرجهم بذلك من أن يكونوا صلوا معه في بيت المقدس لا أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم .

وكان ما روى أنس وأبو هريرة فيه إثبات إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلتئذ هناك جميع الأنبياء فيهم هؤلاء الثلاثة ، إذ كان قد يجوز أن يكون هؤلاء الثلاثة بعد مروره بهم في طريقه إلى بيت المقدس لحقوا به إلى بيت المقدس ، فأمهم مع من أمه من أنبياء الله صلوات الله عليهم سواهم ، وقد روي عن أنس بن مالك أيضا في ذلك ما يدل على هذا المعنى .

5013 - كما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سليمان التيمي وثابت البناني ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أتيت على موسى صلى الله عليه وسلم عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره .

فكان في هذا الحديث ، وقوف أنس بن مالك على مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بموسى صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بيت المقدس ، وهو قائم يصلي في قبره ، ولم يمنع ذلك عنده أن يكون قد لحق بيت المقدس ، فأمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه مع من أمه فيه من الأنبياء سواه ، صلوات الله عليه وعليهم .

[ ص: 543 ] وقد روي عن حذيفة بن اليمان دفعه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ليلتئذ في بيت المقدس .

5014 - كما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أتيت بالبراق ، وهو دابة طويل أبيض ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فلم يزايل ظهره هو وجبريل صلى الله عليهما ، حتى أتينا بيت المقدس ، ففتحت أبواب السماء ، فرأى الجنة والنار .

قال حذيفة : ولم يصل في بيت المقدس ، قلت : بل صلى ، قال حذيفة : ما اسمك يا أصلع ، فإني أعرف وجهك ولا أعرف اسمك ، قال : قلت : أنا زر بن حبيش ، قال : وما يدريك أنه قد صلى فيه ، قال : قلت : يقول الله - عز وجل :
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ، قال : فهل تجده صلى قلت : لا ، قال : إنه لو كان صلى فيه لصليتم فيه كما تصلون في المسجد الحرام ، قال : فقيل له : إنه ربط الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، صلى الله عليهم ، قال حذيفة : أو كان يخاف أن يذهب ، وقد أتاه الله - عز وجل - بها
؟

[ ص: 544 ] قال أبو جعفر : وكان ما رويناه ، عن ابن مسعود وأنس وأبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إثبات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك أولى من نفي حذيفة أن يكون صلى هناك ; لأن إثبات الأشياء أولى من نفيها ، ولأن الذي قاله حذيفة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان صلى هناك لوجب على أمته أن يأتوا ذلك المكان ويصلوا فيه كما فعل صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك مما لا حجة لحذيفة فيه ، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يأتي مواضع ، ويصلي فيها لم يكتب علينا إتيانها ، ولا الصلوات فيها ، بل قد نهى عمر بن الخطاب عن تتبع تلك المواضع والصلوات فيها .

كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم .

وكما حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث بن سعد ، عن جرير بن حازم ، عن الأعمش ، قال : حدثني معرور بن سويد الأسدي ، قال : وافيت الموسم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلما انصرف إلى المدينة انصرفت معه ، فصلى لنا صلاة الغداة ، فقرأ فيها : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل .

[ ص: 545 ] و لإيلاف قريش ، ثم رأى أناسا يذهبون مذهبا ، فقال : أين يذهبون هؤلاء ؟ قالوا : يأتون مسجدا هاهنا صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إنما أهلك من كان قبلكم بأشباه هذا يتبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا ، من أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله فليصل فيها ولا يتعمدنها .

وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثني أبي ، عن الأعمش ، عن المعرور بن سويد ، ثم ذكر مثله .

ففي هذا الحديث ، عن عمر - رضي الله عنه - ما قد وقفنا به على أن المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المواضع لم يجب على أمته إتيانها ، ولا الصلاة فيها لإتيان رسول الله إياها ولصلاته فيها ، فمثل ذلك أيضا صلاته في بيت المقدس على ما في أحاديث ابن مسعود وأنس وأبي هريرة لا يجب به إتيان الناس هناك ، ولا الصلاة فيه ، وأبين من هذا أنه لا مسجد أجل مقدارا ولا أكثر ثوابا من الصلاة فيه بعد المسجد الحرام من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكتب على الناس إتيانه ولا الصلاة فيه كما كتب عليهم ما كتب من مثل ذلك في المسجد الحرام ، وفيما ذكرنا في هذا ما قد دل على رتبة عمر رضي [ ص: 546 ] الله عنه ، في العلم أنها فوق رتبة من سواه - رضوان الله عليه - وعلى سائر أصحابه .

وأما ما ذكرناه أيضا ، عن حذيفة - رضي الله عنه - من دفعه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط البراق ليلتئذ على ما في حديثه الذي رويناه عنه في ذلك ، فإن ما روينا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إثبات ذلك أولى مما روينا ، عن حذيفة في نفيه ، ولأنه ليس كل مسخر لمعنى ينطاع لذلك المعنى ، قد سخر الله - عز وجل - لنا الدواب أن نركبها ونحن نعاني في ركوبها وفي الوصول إلى ذلك ما نعانيه فيهما ، وسخر لنا من بهيمة الأنعام ما سخره لنا منها ، ونحن لا نصل إلى ذلك منها بانطياعها لنا به ، وببذلها إياه لنا من أنفسها ، وإذا كان ذلك كذلك فيها كان مثل ذلك تسخير الله - عز وجل - البراق لنبيه صلى الله عليه وسلم غير مستنكر منه فيه رباطه إياه ، المروي عنه في الأحاديث التي روي عنه ذلك فيها ، والله نسأله التوفيق .

بعونه تعالى وتوفيقه تم الجزء الثاني عشر من " شرح مشكل الآثار " .

ويليه الجزء الثالث عشر ، وأوله :

باب بيان مشكل ما روي عن سعيد بن جبير في المكان الذي نزلت فيه واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا بما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .

.

التالي السابق


الخدمات العلمية