صفحة جزء
[ ص: 30 ] 797 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجوع في الهبة ، ومن تشبيهه إياه برجوع الكلب في قيئه

5033 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العائد في هبته ، كالكلب يقيء ، ثم يعود في قيئه .

5034 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس لنا مثل السوء [ ص: 31 ] ، الراجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه .

5035 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا شعبة وهشام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : العائد في هبته ، كالعائد في قيئه .

ففي هذا الحديث تشبيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العائد في هبته كالعائد في قيئه ، بغير ذكر منه ذلك العائد من هو ، من المتعبدين أو من غيرهم ؟ وفي الحديثين اللذين رويناهما قبله في هذا الباب أنه من غير المتعبدين ، وفي ذلك ما قد دل على أن الرجوع في الهبة ليس بحرام ; [ ص: 32 ] ولكنه قذر وخلق دنيء ليس بمحرم ، ومما قد دل على ذلك ما قد روي عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .

كما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن داود بن الحصين ، عن أبي غطفان بن طريف المري ، عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب ، قال : من وهب هبة لصلة رحم ، أو على وجه صدقة ، فإنه لا يرجع فيها ، ومن وهب هبة يرى أنه إنما يراد بها الثواب ، فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها .

وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال : حدثنا حنظلة ، عن سالم ، قال : سمعت ابن عمر يقول : [ ص: 33 ] سمعت عمر بن الخطاب يقول : من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب منها بما يرضاه .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ذكر عمر أن الواهب أحق بهبته حتى يثاب منها بما يرضى ، وفي الحديث الأول ذكر ذلك الواهب أي الواهبين هو ، وأنه الذي يرى أنه إنما يريد بها الثواب لا من سواه من الواهبين .

وقد حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر قال : من وهب هبة لذي رحم جازت ، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب منها .

[ ص: 34 ] قال أبو جعفر : ولا نعلمه روي عن عمر في هذا غير ما رويناه عنه فيه ، وقد روي عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - في ذلك .

ما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : حدثنا شعبة عن جابر الجعفي ، قال : سمعت القاسم بن عبد الرحمن يحدث ، عن عبد الرحمن بن أبزى ، عن علي - عليه السلام - قال : الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها .

وما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا شعبة ، عن جابر ، عن القاسم ، عن عبد الرحمن بن أبزى ، عن علي مثله .

[ ص: 35 ] قال أبو جعفر : وتصحيح هذا الحديث ، وحديث عمر - رضي الله عنه - الذي رويناه قبله ، أن يكون الواهب الذي أراده علي من وجوب الرجوع في الهبة له ، هو الواهب الذي أراده عمر في وجوب الرجوع في الهبة له ، ولا نعلمه روي عن علي في هذا الباب غير ما قد رويناه عنه فيه .

وقد روي عن أبي الدرداء في ذلك

ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن راشد بن سعد ، عن أبي الدرداء ، قال : المواهب ثلاثة : رجل وهب من غير أن يستوهب ، فهي كسبيل الصدقة ، فليس له أن يرجع في صدقته ، ورجل استوهب فوهب ، فله الثواب ، فإن قبل على موهبته ثوابا فليس له إلا ذلك ، وله أن يرجع في هبته ما لم يثب ، ورجل وهب ، واشترط الثواب ، فهو دين على صاحبها في حياته وبعد موته .

ولا نعلمه روي عن أبي الدرداء في الهبة غير ما رويناه عنه فيه . وقد روي في ذلك عن فضالة بن عبيد .

ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله بن عامر أنه قال : [ ص: 36 ] كنت عند فضالة بن عبيد إذ جاءه رجلان يختصمان في باز ، فقال أحدهما : وهبت له بازيا ، وأنا أرجو أن يثيبني منه ، وقال الآخر : نعم ، قد وهب لي بازيا ، وما سألته ، وما تعرضت له ، فقال فضالة : اردد إليه هبته ، فإنما يرجع في الهبات النساء وشرار الأقوام .

ولا نعلمه روي عن فضالة في هذا الباب غير ما رويناه عنه فيه ، وفيما روينا فيه عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد دل على الواهب الذي أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك من هو ، وفي حكم رجوعه في هبته ما هو ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية