1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخييره الأعرابي بعد ابتياعه منه ما كان ابتاعه منه
صفحة جزء
[ ص: 312 ] 845 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تخييره الأعرابي بعد ابتياعه منه ما كان ابتاعه منه

5290 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني بعض من أرضى ، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، أن أبا الزبير حدثه ، عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : اشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعرابي - قال : حسبت أن أبا الزبير ، قال : من بني عامر بن صعصعة - حمل قرط أو حمل خبط ، فلما وجب له ، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اختر " ، فقال الأعرابي : إن رأيت مثل اليوم قط بيعا خير بائعه ، ممن أنت ؟ قال : " من قريش .

[ ص: 313 ]

قال أبو جعفر : وبعض الناس يزعم أن الرجل الذي سكت الليث عن اسمه في هذا الحديث ، هو عبد الله بن وهب ، فكان بعض الناس ممن يذهب إلى أن للمتبايعين الخيار فيما يتبايعانه بعد تعاقدهما البيع حتى يتفرقا بعد البيع ، يحتج لما يقول في ذلك بما في هذا الحديث ; لأن في بعض ما روي في ذلك : أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر اختر .

وقد ذكرنا ذلك وما قد روي فيه ، وما قاله أهل العلم فيه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، وكان فيما ذكرنا من ذلك تحقيقنا أن ذلك التخيير [ ص: 314 ] مما يعقد البيع عليه ، وينقطع بتمام العقد ، واحتججنا لذلك بحديث الليث الذي رواه في ذلك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " أو يخير أحدهما الآخر ، فإذا خير أحدهما الآخر وتبايعا عن ذلك ، فقد وجب البيع " .

فحققنا أن ذلك التخيير مما يعقد البيع عليه ليس على تخيير يكون من أحد المتبايعين صاحبه بعد البيع ، فكان ما في هذا الحديث الذي رويناه في هذا الباب ، فلما وجب - يعني المبيع - قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : يعني الأعرابي - : " اختر " فكان في ذلك ما قد دل على وجوب البيع بينهما قبل ذلك التخيير .

فقال قائل : فما كان معنى تخيير النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكور في هذا الحديث للأعرابي الذي خيره فيه ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أن ذلك كان منه - صلى الله عليه وسلم - للذي قد رواه أبو هريرة عنه .

5291 - مما قد حدثنا محمد بن حرب المدني أبو عبد الله ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أقال نادما بيعته ، أقاله الله - عز وجل - عثرته يوم القيامة .

[ ص: 315 ] [ ص: 316 ] فخير النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الأعرابي فيما كان ابتاعه منه ; ليكون له ثواب مقيل نادم فيما باع المذكور ذلك الثواب في هذا الحديث إن كان نادما فيما باعه إياه ، وقد روي أن ذلك الابتياع الذي كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - لبائعه ذلك المبيع ، كان في بيع تبايعاه قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبل أن ينبأ .

5292 - كما حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : ابتاع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة من أعرابي بعيرا ، أو غير ذلك ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد البيع : " اختر ، فنظر الأعرابي ، وقال له : لعمرك الله من أنت ؟ فلما كان الإسلام ، جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيار بعد البيع .

ففي ذلك ما قد دل أن ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تكون الأحكام والشرائع ، فقال هذا القائل : فإن في هذا الحديث : " فلما كان [ ص: 317 ] الإسلام جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيار بعد البيع " .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أن ذلك الخيار قد يحتمل أن يكون على الاختيار لا على الوجوب ، ويكون الملتمس في ذلك هو الملتمس فيما قد ذكرناه في تأويل الحديث الذي قد ذكرناه في أول هذا الباب ، والله نسأله التوفيق .

وقد روي عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى أيضا .

5293 - ما قد حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، قال : حدثنا أبو داود ، عن سليمان بن معاذ ، قال : حدثني سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايع رجلا ، فلما تبايعا ، قال له : " اختر ، قال : قد اخترت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " هكذا البيع .

فقال الذين يذهبون إلى وجوب الخيار للمتبايعين بعد البيع ، أو يخير أحدهما صاحبه : قد دل هذا الحديث على مذهبنا هذا ، ووكده قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هكذا البيع " ، ولم يكن في هذا الحديث عندنا زيادة [ ص: 318 ] على ما ذكرناه من معنى الحديث الأول ، وكان معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " هكذا البيع " محتملا أن يكون هكذا البيع الذي يبيع الناس أن يجروا بياعاتهم عليه من تخيير بعضهم بعضا فيها ، حتى يصيبوا بذلك المعنى الذي في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في هذا الباب في إقالة النادم بيعته ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية