1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان منه في بروع ابنة واشق
صفحة جزء
[ ص: 344 ] 850 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان منه في بروع ابنة واشق ، وتصحيح أسانيده عنه ، وبيان ما فيه من الأحكام

5318 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، عن عبد الله بن عتبة ، وعن أبي حسان ، عن عبد الله بن عتبة : أنه اختلف إلى ابن مسعود في رجل تزوج امرأة ، فمات عنها ولم يفرض لها ، ولم يدخل بها ، فاختلفوا إليه شهرا ، ثم قضى أن لها صدقة نسائها ، ولها الميراث ، وعليها العدة ، ثم قال : إن يك صوابا ، فمن الله - عز وجل - وإن يك خطأ ، فمني .

فقام الجراح وأبو سنان ، فشهدا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في بروع ابنة واشق الأشجعية ، وكان زوجها هلال بن مروان .

[ ص: 345 ] قال أبو جعفر : ولا نعلم أحدا خالف هماما في إسناد هذا الحديث .

5319 - وحدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : أتي عبد الله في امرأة توفي عنها زوجها ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، فترددوا إليه ، فلم يفتهم ، فلم يزالوا به حتى قال : إني سأقول برأيي ، إني أرى لها صدقة نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان ، فشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في بروع ابنة واشق الأشجعية بمثل ما قضيت ، ففرح عبد الله .

[ ص: 346 ]

5320 - وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، ثم ذكر مثله سواء ، غير أنه لم يقل : صدقة نسائها ، وقال : صداق مثلها . قال سفيان : وبه نأخذ .

قال أبو جعفر : ولا نعلم أحدا من رواة هذا الحديث عن منصور خالف الثوري فيما رواه عليه عنه ، ولا في الإسناد الذي رواه عليه به عنه ، وقد رواه أيضا عن منصور ، زائدة بن قدامة ، فوافق الثوري في متنه ، وفي إسناده ، غير أنه زاد فيه الأسود مع علقمة .

5321 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري ، قال : حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله - قال أبو جعفر : يعني مولى بني هاشم - عن زائدة بن قدامة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، قالا : أتي عبد الله في رجل تزوج امرأة ، ولم يفرض لها ، فتوفي قبل أن يدخل بها ، فقال عبد الله : سلوا : هل تجدون فيها أثرا ؟ فقالوا : يا أبا عبد الرحمن ، ما نجد فيها أثرا ، فقال : أقول برأيي ، فإن كان صوابا ، فمن الله - عز وجل - : لها مهر نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، ولها [ ص: 347 ] الميراث ، وعليها العدة ، فقام رجل من أشجع ، فقال : في مثل هذا قضى رسول الله فينا في امرأة يقال لها : بروع ابنة واشق تزوجت رجلا ، فمات قبل أن يدخل بها ، فقضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل صداق نسائها ، ولها الميراث ، وعليها العدة . فرفع عبد الله يديه وكبر .

وأما الشعبي فقد اختلف عنه في من أخذ هذا الحديث عنه ، فأما عبد الله بن عون ، فروى عنه أنه أخذه عن الأشجعي ، ولم يسمه في حديثه .

5322 - كما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا عبد الله بن عون ، عن الشعبي ، عن الأشجعي ، قال : رأيت ابن مسعود فرح فرحة لم أره فرح مثلها ، أتاه إنسان ، فسأله عن رجل تزوج امرأة ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، فمات عنها ، فقال : ما سمعت فيها شيئا ، فقال الرجل : لو ترددت شهرا ، ما سألت عنها أحدا غيرك ، وما وجدت أحدا أسأل عنها غيرك ، فقال : إني سأقول فيها برأيي ، فإن أصبت ، فالله - عز وجل - يوفقني : أرى لها [ ص: 348 ] صدقة نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، وعليها العدة ، فقال الأشجعي : أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بمثل ما قضيت .

قال أبو جعفر : والأشجعي المذكور الذي أخذ الشعبي هذا الحديث عنه هو معقل بن سنان ، وهو ممن تأخر موته من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان موته في يوم الحرة ، وهو أحد المقتولين بها من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وأما داود بن أبي هند ، فذكر عن الشعبي أنه أخذه عن علقمة .

5323 - كما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود : أنهم سألوه عن رجل تزوج امرأة فمات ولم [ ص: 349 ] يفرض لها صداقا ، قال : فرددهم شهرا ، ثم قال : أقول فيها برأيي ، فإن يك صوابا ، فمن قبل الله ، وإن يك خطأ ، فمن قبلي : لها صداق نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، لها الميراث ، وعليها العدة ، فقام معقل بن سنان ، فقال : أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في امرأة منا ، يقال لها : بروع ابنة واشق .

وأما إسماعيل بن أبي خالد ، فذكر أيضا عنه أنه أخذه عن علقمة .

5324 - كما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال : حدثني محمد بن فضيل ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، فذكره عن علقمة ، ثم ذكره بمعنى ما ذكره به داود عنه .

[ ص: 350 ] وأما فراس بن يحيى ، فذكر أنه - يعني الشعبي - أخذه عن مسروق

5325 - كما حدثنا أحمد بن يحيى الصوري ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن فراس ، عن عامر ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ثم ذكر مثل حديث الربيع ، عن أسد ، عن حماد ، عن داود .

5326 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا إسحاق بن منصور - يعني الكوسج - ، قال : حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - قال : أخبرنا سفيان ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن مسروق ثم ذكر مثله سواء .

قال أبو جعفر : وقد يحتمل أن يكون الشعبي أخذه عن هؤلاء [ ص: 351 ] الثلاثة جميعا ، فحدث به مرة عن أحدهم ، وحدث به مرة أخرى عن آخر منهم ، وحدث به مرة أخرى عن آخر منهم .

وأما عبد خير ، فرواه عن معقل بغير اختلاف عنه في إسناده .

5326 م - كما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال : حدثني محمد بن فضيل ، قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن عبد خير ، قال : جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود ، فسأله عن رجل تزوج امرأة ، ولم يفرض لها ، ثم مات ، ولم يدخل بها ، فجعل عبد الله يرددهم ، ثم قال : أقول فيها برأيي ، فإن يك صوابا ، فمن الله - عز وجل - وإن يك خطأ ، فمني ومن الشيطان : أرى لها صداق نسائها ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقال معقل بن سنان الأشجعي ، وكان حاضرا : أشهد لقضى بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة منا ، يقال لها : بروع ابنة واشق ، قال : فما رئي عبد الله أشد فرحا منه يومئذ ; لموافقته قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ثم رجعنا إلى ما في هذا الحديث من الأحكام ، فكان فيه جواز التزويج بلا صداق مسمى فيه كما يقول أبو حنيفة ، والثوري ، وأصحاب أبي حنيفة ، والشافعي ، بخلاف ما يقول مالك في ذلك من فسخه إياه في حياة الزوجين قبل الدخول ، ومن تركه فسخه بعد الدخول ، وبعد موت أحد الزوجين ، وكان كتاب الله - عز وجل - يشهد لما قاله الأولون [ ص: 352 ] في ذلك مما ذكرناه عنهم ، وهو قوله - عز وجل - فيه : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن الآية .

ولا يقع الطلاق من زوج على زوجة إلا في تزويج صحيح ، فثبت ما ذكرنا بكتاب الله - عز وجل - ثم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بما دل عليه من إجماع المسلمين عليه ; لأنهم لا يختلفون أن الميراث واجب للباقي منهما بعد موت من يتوفى منهما من تركته ، ولا يجب الميراث لأحدهما من صاحبه إلا بصحة التزويج الذي كان بينهما قبل الموت الذي كان أوجب ذلك الميراث ، ثم لإجماعهم جميعا أنه إذا دخل بها لم يفسخ ذلك التزويج الذي كان بينهما ، وكان الدخول لا يصلح فاسدا .

فعقلنا بذلك : أن التزويج يقوم بنفسه ، لا بالصداق الذي يوجبه ، ثم قد وجدنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أجمعوا على وجوب صحة العقد إذا وقع كذلك ، وعلى وجوب الميراث فيه عن الباقي من الزوجين بعد موت أحدهما للباقي منهما ، وإنما اختلفوا في وجوب الصداق للزوجة بعد موت الزوج أو بعد موتها .

فقال بعضهم : لها الصداق على زوجها إن كان حيا ، وفي تركته إن كان ميتا ، وممن قال ذلك منهم : عبد الله بن مسعود فيما قد رويناه [ ص: 353 ] عنه في هذا الباب .

وممن قال : لا صداق لها : علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - .

كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، قال : حدثني عبد خير ، عن علي - عليه السلام - في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها ، قال : لها الميراث ، وعليها العدة ، ولا صداق لها .

وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد خير ، عن علي نحوه .

[ ص: 354 ] وكما حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا القاسم بن معن ، قال : سألت ابن جريج عن المتوفى عنها زوجها قبل الدخول ، ولم يسم لها مهرا ، فحدثني عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : حسبها الميراث .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب : أن مالكا أخبره عن نافع : أن ابنة عبيد الله بن عمر ، وأمها ابنة زيد بن الخطاب ، كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر ، فمات ولم يدخل بها ، فابتغت أمها صداقها ، فقال عبد الله بن عمر : ليس لها صداق ، ولو كان لها صداق لم نمسكه ، ولم نظلمها ، فأبت أن تقبل ذلك ، فجعلوا بينهم زيد بن ثابت ، فقضى أن لا صداق لها ، ولها الميراث .

[ ص: 355 ] وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار : أن ابن عمر زوج ابنا له ابنة أخيه عبيد الله بن عمر ، وابنه يومئذ صغير ، ولم يفرض لها صداقا ، فمكث الغلام ما مكث ، ثم مات ، فخاصم خال الجارية ابن عمر إلى زيد بن ثابت ، فقال ابن عمر لزيد بن ثابت : زوجت ابني ، وأنا أحدث نفسي أن أصنع به خيرا ، فمات قبل ذلك ، ولم يفرض للجارية صداقا ، فقال زيد : لها الميراث ، إن كان للغلام مال ، وعليها العدة ، ولا صداق لها .

ثم رجعنا إلى ما يوجبه القياس في ذلك ، فوجدنا الأصل المتفق عليه أن المطلقة قبل الدخول ، وقد سمي لها صداق ، لها نصف ذلك الصداق ، ولا عدة عليها ، وإن كان لم يسم لها صداق ، كانت لها المتعة ، ولا عدة عليها ، وكان لو دخل بها ثم طلقها ، كان لها صداق مثلها إن كان لم يسم لها صداقا ، وكان لها جميع ما سماه لها إن كان سمى لها صداقا ، وكانت عليها العدة في ذلك .

فكان الموضع الذي يكون عليها فيه العدة يكون لها فيه الصداق ، والموضع الذي لا يكون عليها فيه عدة يكون لها فيه نصف الصداق إن كان سمى لها صداقا ، أو المتعة إن كان لم يسم لها صداقا .

وكان إذا توفي عنها ، ولم يسم لها صداقا ، ولم يدخل بها ، عليها [ ص: 356 ] العدة في قولهم جميعا ، فكان في ذلك ما قد دل أن الموت إذا كان من المواضع التي تجب العدة فيها أن يكون من المواضع التي يجب الصداق فيها .

وكان في حديث بروع ابنة واشق من الأحكام أيضا قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها بصداق مثلها من نسائها ، لا وكس ، ولا شطط ، وكان نساؤها المعقولات هن نساء عشيرتها ، كذلك هو موجود في كلام العرب حتى تعالى ذلك إلى أن جاء به كتاب الله - عز وجل - وهو قوله : تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ، فكان أولئك النساء هن أمثالها من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونساء من دعاه إلى المباهلة لا من سواهم ، فكان مثل ذلك نساء المرأة المرجوع في صداقها فيما يجب لها فيه صداق مثلها من نسائها ، وهذا معنى أبي حنيفة وأصحابه ، والشافعي .

وأما ابن أبي ليلى ، فكان يقول : نساؤها : هن هؤلاء اللائي من قبل أبيها ، وهن عماتها أخوات أبيها لأبيه وأمه أو لأمه ، وأخواتها لأبيها وأمها أو لأبيها ، وخالاتها أخوات أمها .

وأما مالك ، فكان يقول : هن أمثالها في منصبها وجمالها ، ولا يراعى أنسابها .

وكان الذي دل عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى ما قيل في ذلك ، فأما ما قال ابن أبي ليلى في ذلك من إدخاله خالاتها في ذلك ، فلا معنى له عندنا ; لأنه قد تكون المرأة من قريش وتكون خالاتها إماء ، ولما فسد قوله هذا ، اعتبرنا القولين الآخرين ، فكان ما قال مالك منهما [ ص: 357 ] هو الذي يقع في القلوب قبوله ، لا ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ما يخالفه ، غير أنا اعتبرنا ما قال مالك في ذلك ، فوجدناه مراعاة أحوال المرأة التي يرغب فيها منها من أجلها ، وهي جمالها وعقلها ، والأشياء التي ذكرنا مما يرغب فيها من أجلها ، ووجدناها يرغب فيها بنسبها وبشرفها وبأحوالها التي تبين به عن أحوال من سواها ممن هو مثلها في جمالها وعقلها ، وإذا كان جمالها وعقلها يعتبر في أمرها لرغبة الناس في مثلها من أجله ، كان مثل ذلك جنسها وبيتها الذي هي منه وآباؤها التي يرغب فيها لمكانهم ، يعتبر ذلك أيضا فيها .

ولقد قال مالك في المرأة تختلط عليها حيضتها : إنها تعتبر في ذلك أيام نسائها في مثله ، وإذا كان ذلك معتبرا في الحيض الذي قد تختلف فيه المرأة وأمها ، والمرأة وأختها ، فتكون كل واحدة منها ومن نسائها هؤلاء بخلاف ما عليه سواها من نسائها في ذلك ، كان اعتبار ذلك لها في الصداق أولى ، وكان بالقول به في ذلك أحرى ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية