1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ما روي عن أصحابه بعده في الصلاة بعد أذان المغرب من إباحة ومن نهي
صفحة جزء
[ ص: 113 ] 877 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما روي عن أصحابه بعده في الصلاة بعد أذان المغرب من إباحة ومن نهي

5493 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، وعثمان بن عمر بن فارس ، قالا : حدثنا كهمس بن الحسن - قال يزيد بن هارون في حديثه : والجريري - عن عبد الله بن بريدة ، عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة لمن شاء .

[ ص: 114 ] قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن بين كل أذانين صلاة لمن شاء ، فاستدل بذلك قوم على إباحة الصلاة بين أذان المغرب وبين إقامتها ، فتأملنا ما في هذا الحديث هل فيه دليل على ما قالوا أم لا ؟ فوجدنا الذي فيه إنما هو بين كل أذانين صلاة وليس فيه بين كل أذان وإقامة صلاة ، فكان ذلك موجودا في التأذين للصلوات كلها ، لأن بين الأذان للصبح وبين الأذان للظهر صلاة ، وهي ركعتا الفجر وما يتطوع به من شاء بعد حل الصلاة بين طلوع الشمس وبين أذان الظهر ، وبين أذان الظهر وبين أذان العصر صلاة لمن شاء ، وبين أذان العصر وبين أذان المغرب صلاة قبل صلاة العصر من بعد الأذان لها ، وبين الأذان للمغرب وبين الأذان للعشاء صلاة لمن شاء أن يتطوع [ ص: 115 ] بينهما ، فهذا ظاهر هذا الحديث ومن ادعى باطنا كان عليه إقامة الدليل عليه ، ثم قد وجدنا الحسين المعلم قد روى هذا الحديث عن ابن بريدة بخلاف ما رواه عليه عنه كهمس ، والجريري .

5494 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري ، حدثنا عبد الوارث وهو ابن سعيد التنوري ، عن حسين - وهو المعلم - عن ابن بريدة ، حدثنا عبد الله المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين ، ثم قال : صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين ، ثم قال عند الثالثة : لمن شاء ، كراهة أن يحسبها الناس سنة فكان في ذلك قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأمر بصلاة ركعتين بعد أذان المغرب ، ثم قد وجدنا حيان بن عبيد الله - أبا زهير - وهو رجل محمود في [ ص: 116 ] روايته ، قد روى هذا الحديث عن ابن بريدة فخالف كهمسا ، والجريري ، والحسين المعلم فيما رووه عليه عنه .

5495 - كما حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد الأزدي ، حدثنا عبد الغفار بن داود الحراني أبو صالح ، حدثنا حيان بن عبيد الله ، حدثني عبد الله بن بريدة الأسلمي ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عند كل صلاة ركعتين ما خلا صلاة المغرب .

[ ص: 117 ] فخالف حيان كهمسا ، والجريري ، والحسين في إسناد هذا الحديث ، فذكره بما يعود به إلى بريدة ، وخالفهم في متنه على ما قد ذكرناه من خلافه إياهم فيهما ، ولم يخل حديث حيان هذا من أحد وجهين : إما أن يكون بين الصلاة المأمور بها في الحديثين الأولين ، فيكون ما فيه تبيان تلك الصلاة ، أي صلاة هي ، وهي سوى صلاة المغرب ، أو يكون غير ذلك الحديث ، فيكون فيه المنع مما قد أمر به في ذلك الحديث ، وإذا اجتمع الأمر والنهي ، كان النهي أولى من الأمر ، أو يكون كان ناسخا لما فيها ، فيكون الناسخ أولى من المنسوخ . ففي هذه الآثار لما جمعت وكشفت معانيها : النهي عن الصلاة بعد أذان المغرب لا الإطلاق لذلك . فإن قال قائل : فقد روي عن أنس بن مالك في ذلك .

5496 - فذكر ما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن منصور بن أبي الأسود ، حدثنا المختار بن فلفل ، عن أنس ، قال : كنا نصلي الركعتين قبل المغرب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأنس : أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، رآنا فلم [ ص: 118 ] يأمرنا ، ولم ينهنا .

5497 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن مصعب بن سليم ، قال : رأيت أنس بن مالك يصلي ركعتين إذا وجبت الشمس قبل المغرب ، قلت له : أصلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قلت : فأمركم بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يرى من يصليهما فلا ينهاه . قال : ففي هذين الحديثين رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم من قد كان [ ص: 119 ] يصليهما ، وتركه النهي له عن ذلك .

فكان جوابنا له في ذلك أنه قد يحتمل أن يكونا كانتا مما قد كان لهم أن يفعلوه حتى نسخ ذلك بما في حديث حيان ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : وقد روي عن أنس في ذلك أيضا .

5498 - فذكر ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، أنبأني يعلى بن عطاء ، قال : سمعت أبا فزارة يحدث ، عن أنس ، قال : كنا نصلي الركعتين قبل المغرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

5499 - وما قد حدثنا بكار ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن عامر الأنصاري ، قال : سمعت أنسا يقول : كان إذا نودي للمغرب ، قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري يصلون الركعتين [ ص: 120 ] .

5500 - وما قد حدثنا الحسين بن نصر ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، عن شعبة ، عن علي بن زيد ، قال : سمعت أنسا ، يقول : إن كان المؤذن ليؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنرى أنها الإقامة من كثرة من يقوم ، فيصلي الركعتين قبل المغرب .

5501 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري ليصلوا بما خلفها ركعتين قبل المغرب . [ ص: 121 ] قال أبو جعفر : فالكلام في هذا كالكلام فيما قبله . فإن قال قائل : فقد روي في ذلك عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يصلونهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فذكر ما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر أن أبي بن كعب ، وعبد الرحمن بن عوف كانا يصليان قبل المغرب ركعتين ركعتين . فكان جوابنا له في ذلك : أنه قد يحتمل أن يكون هؤلاء لم يعلموا بالنسخ الذي علمه بريدة فثبتوا على ما كانوا علموه من المنسوخ ، وكان من علم شيئا سواهم في ذلك أولى بما علمه فيه ممن قصر عنه ، فإن قال : فهل يجوز أن يسقط علم مثل هذا عن هؤلاء الجلة في هذا ؟ فكان جوابنا له في ذلك : أن هذا مما يمكن أن يكون سقط عن هؤلاء مع جلالتهم كما سقط عن عبد الله بن مسعود على جلالته نسخ التطبيق في الصلاة حتى ثبت عليه إلى أن مات ، وكما سقط عن علي رضي الله عنه ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما إباحة لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، وثبوتهما على الأمر الأول في ذلك ، وسنأتي بذلك ، وبما روي عنهم فيه فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى . [ ص: 122 ] وقد توهم بعض الناس أنه قد روي عن علي وقوفه على النسخ في ذلك بالحديث الذي رواه عنه النابغة بن مخارق ، وليس ذلك عندنا بشيء ؛ لأنه إنما يدور على علي بن زيد بن جدعان ، عن ربيعة بن النابغة ، عن أبيه ، وربيعة وأبوه مجهولان لا يعرفان من أهل الرواية ، والصحيح عن علي في ذلك ما خطب به لما صلى بالناس وعثمان محصور ، فأمرهم بهذا ونهى أن يأكلوا من أضاحيهم فوق ثلاثة أيام ، ومثل هذا كثير يجزئ ما جئنا به منه عن بقيته ، ولقد روي عن سعيد بن المسيب على كثرة من رأى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى لزومه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى جلالته في العلم ، وعظم مقداره فيه ما يخالف ما في الآثار المذكورة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة .

كما حدثنا هارون بن كامل ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : إن أبا سعيد الخدري كان يصلي الركعتين قبل المغرب . فقال : كان ينهى عنهما ، ولم أدرك أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما غير سعد بن مالك رضي الله عنه ، وكان في هذا : أن من رآه ممن لم يكن يصليهما في ذلك هو الأكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العدد ، وأن الذي رآه كان يصليهما منهم هو سعد ، وقد يحتمل أن يكون النهي في ذلك قصر عنه ، فكان من وقف عليه سواه أولى بما وقف عليه منه فيما قصر عنه . [ ص: 123 ] وقد روي عن إبراهيم في ذلك ، وموضعه في العلم موضعه ، وخبرته بأصحاب عبد الله خبرته .

ما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الركعتان قبل المغرب بدعة .

5502 - وما قد حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا إسماعيل بن سالم ، حدثنا محمد بن الحسن ، أخبرنا أبو حنيفة ، عن حماد ، قال : سألت إبراهيم عن الصلاة قبل المغرب فنهاني عنها ، وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما لم يصلوها . قال محمد : وبه نأخذ ، ولم يذكر في ذلك عن أبي حنيفة ، ولا عن أبي يوسف خلافا له فيه ، فكان العمل بعد ذلك في المساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى على ترك ذلك ، وفقهاء الأمصار أيضا على مثل ذلك ، والخروج عن مثل هذا إلى ما سواه لا خفاء به عن ذوي العلم ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية